للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك". خرَّجه مسلم (١) من حديث علي - رضي الله عنه.

وروي من حديث حذيفة مرفوعًا (٢)، وموقوفًا (٣) وهو أصح، يدعو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، وَالْمُهْتدَي مَنْ هَدَيْتَ، عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ رَبَّ الْبَيْتِ".

فَإِذَا كان العبد في صبح كل يوم، يقول: اللهم لبيك وسعديك. فإنه يُريد بذلك أني أصبحتُ مجيبًا لدعوتك، مُسرعًا إليها، مقيمًا عَلَى طاعتك، ممتثلاً لأوامرك، مجتنبًا لنواهيك. فَإِذَا قال هذا بلسانه فالواجبُ أنْ يتبع ذلك بعمله؛ ليكون مُستجيبًا لدعوة الله قولًا وفعلًا.

وإنْ قال ذلك ثُم خالفه بعمله، فقد كذَّب قولُه عملَه، وهو جديرٌ أنْ يُجاب كما يُجَابُ مَنْ حجَّ بمالٍ حرام، وقال: لبيك اللهم لبيك. فيُقال: لا لبيك ولا سعديك.

وفي بعض الآثار أنَّ الله عز وجَلَّ يُنادي كلَّ يوم: "ابن آدم ما أنصفتني، أذكرك وتنساني، وأدعوك إليَّ فتذهب إِلَى غيري، وأُذْهِبُ عنك البلايا وأنت تعكف عَلَى الخطايا. ابن آدم: ما اعتذارك غدًا إذا جئتنىِ؟ ".

كم دعاك إِلَى بابه فما أجبت ولا لبَّيت، كم استدعاك إِلَى جنابه فقعدت وأبيت، كم عُرضت عليك واجباتُه فتكاسلت وتوانيت، وزُجرت عن منهياته فما انزجرت وتماديت، كم سمعت داعي الحق فتصاممت، وكم رأيت آياته في الخلق فتعاميت.


(١) في "صحيحه" برقم (٧٧١).
(٢) أخرجه الحاكم (٤/ ٥٧٣).
(٣) أخرجه الطيالسي في "مسنده" (٥٥ رقم ٤١٤) والنسائي في "الكبرى" (١١٢٩٤)، والبزار في مسنده (٢٩٢٦ البحر الزخار) وغيرهم من طريق صلة بن زفر قال: سمعت حذيفة يقول: يجمع الناس في صعيد واحد ... فأول مدعو محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: لبيك وسعديك ... الحديث. قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٣٧٧): رواه البزار موقوفًا، ورجاله رجال الصحيح.