للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبارك من أوجد الإنسان من عدم ... وأقامه ولولا الإله لم يقم

إِلَيْهِ مرجعه وهو باعثة ... بعد الممات والأجداث والرمم

قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدِيرٌ". ذكر الخطَّابي في كتاب "الدُّعاء" له أن قوله:

"فمشيئتك" رُوي بضم التاء وفتحها، وأن من رواه بالضم فإنَّ المعنى: الاعتذار بسابق الأقدار العائقة عن الوفاء بما أَلْزَمَ العبدُ نفسَهُ مِن النذور والأيمان. قال: وفي هذا طرفٌ من الجبر. قال: والصواب رواية من رواه بفتح التاء عَلَى إضمار فعل. كأنّه قال: فإني أقدّم مشيئتك في ذلك، وأنوي الاستئناء فيه طرحًا للحنْث عني عند وقوع الحلف.

قال: وفي ذلك حجة لمن ذهب مذهب المكيين، في جواز الاستئناء منفصلاً عن اليمين.

قلتُ: الصواب: هذا المعنى عَلَى (كلا) (١) الروايتين. أعني: رواية الضم، ورواية النصب.

وليس المرُاد برواية الضم الاعتذار بالقدر، وإنَّما المعنى: فمشيئتُك بين يدي ذلك كلِّه مقدَّمة. فهو مبتدأ حُذف خبره.

ويشهد لهذا المعنى ما خرجه أبو داود في "سُننه" (٢) بإسناده، عن أبي الدرداء أنه كان يقول: مَن قال حين يُصبح: اللهم ما حلفتُ من حلِفٍ أو قلتُ من قولٍ أو نذرتُ من نذرٍ فمشيئتك بين يدي ذلك كلّه، ما شئتَ كان وما لم تشأ لم يكن، اللهم اغفر لي وتَجَاوَزْ عنِّي، اللهم فمن صلَّيتَ عليه فعليه صلاتي، ومن لعنتَ فعليه لعنتي. كان في استثناءِ يومه ذلك".

فقد صَرَّحَ أبو داود بأن المراد بهذا الاستثناء بالمشيئة أنه يكون استثناء في يومه ذلك، يعني: فيما يحلف به وينذره ويقوله في ذلك اليوم.


(١) برقم (٥٠٧٨) عن أبي ذر.
(٢) كذا بالأصل، والصواب: "كلتا".