للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد وافق الخطَّابي -كما تقدم عنه- أنَّ المراد به ما يقوله ويحلفه، وينذره في المستقبل، فكذلك الصلاة واللعن.

واعلم أنَّ العبد مبتلى بلسانه، يلعن به من يغضب عليه ويمدح به مَن يرضى عنه. وكثيرًا ما يمدح مَنْ لا يستحق المدح، ويلعن مَنْ لا يستحق اللعن.

وقد ورد في غير حديث: أنَّ اللعنة إذا لم يكن الملعون بها أهلاً لها رجعت (عَلَى) (*) اللاعن.

واللعنُ دعاء، فربَّما أُجيب وأصاب ذلك الملعون. وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة التي لعنت بعيرَها أنْ ترسله، وقال: "لا تصحبنا ناقةٌ ملعونة" (١).

وكان بعضُ السلف لا يدخل بيته بشيءٍ ملعون، ولا يأكل من بيض دجاجةٍ يلعنها، ولا يشرب من لبن شاة لعنها. قال بعضهم: ما أكلتُ شيئًا ملعونًا قط.

وذكر ابنُ حامد من أصحابنا، عن أحمد قال: مَن لعن عبده فعليه أن يُعتقه، أو شيئًا من ماله: أنَّ عليه أن يتصدَّق.

قال: ويجيءُ في لعن زوجته أنَّه (يلزمه) (**) أن يطلقها؛ ويشهد لها - في الزوجة- وقوعُ الفرقة بين المتلاعنين، لمَّا كان أحدُهما كاذبًا في نفس الأمر قد حقَّت عليه اللعنةُ والغضب.

فَإِذَا قدمُ العبدُ من أول نهاره في دعائه: أنَّ ما لعن من لعن، فإنَّه لاحقٌ بمن لعنه الله، وما أثنى من ثناء فهو لاحق بمن أثنى عليه الله. فقد خلص بذلك من إثم لعن من لا يستحق اللعن، أو مدح من لا يستحق المدح، إذا وقع ذلك سهوًا أو غلطًا، أو عن قوة غضب ونحوه.

فأمَّا من (يتعمد) ( ... ) ذلك عن علمه بالحال ففي دخوله في هذا الشرط نظر، مع أنَّ عموم اشتراطه يقتضي دخوله فيه.


(*) إِلَى: "نسخة".
(١) أخرجه مسلم (٢٥٩٦).
(**) عليه: "نسخة".
( ... ) تعمد: "نسخة".