للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنما عبدتك حبًّا مني لك وشوقًا إِلَى وجهك الكريم فأبحنيه، واصنع بي ما شئت (١).

سمع بعضُهم قائلاً يقول:

كبُرت همة عبد طمعت في أنْ تراكا ... وما حسبت أنْ ترى من رآكا

ثم شهق شهقة فمات.

لما غلب الشوقُ عَلَى قلوب المُحبِّين استروحوا إِلَى مثل هذه الكلمات، وما تخفي صدورُهم أكبر!

تجاسرتُ فكاشفتك لما غلب الصبر ... فإنْ عنفني الناسُ ففي وجهك لي عذر

أبصارُ المُحبين قد غضت من الدُّنْيَا والآخرة، فلم تفتح إلاَّ عند مشاهدة محبوبهم يوم المزيد.

أروح وَقد ختمتَ عَلَى فُؤَادِي ... بحبك أَنْ يحل بِهِ سواكا

فَلَو أَنِّي اسْتَطَعْت غضضت طرفِي ... فَلم أنظر بِهِ حَتَّى أراكا

أحبك لَا ببعضي بل بكلي ... وَإِنْ لم يبْق حبك لي حراكا

وَفِي الأحباب مَخْصُوص بوجد ... وَآخر يَدعِي معي اشتراكا

إِذا استكبت دموعي فِي خدودي ... تبيَّن من بَكَى مِمَّن تباكا

فَأَما من بَكَى فيذوب وجدًا ... وينطق بالهوى من قد تشاكا

كان سحنون المُحب يُنشد:

وَكَانَ فُؤَادِي خَالِيًا قبل حُبّكم ... وَكَانَ بِذكر الْخلق يلهو ويمرح


(١) في ذلك نظر، إذ العبودية الحقة لا بد وأن تجمع بين الحب والخوف والرجاء. قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: ١٦] وقال: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: ٥٦] وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠].