للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا أن دَعَا قلبِي هَوَاك أَجَابَهُ ... فلست أرَاهُ عَن فنائك يبرح

رُميت ببعد عَنْك إِن كنت كَاذِبًا ... وَإِن كنت فِي الدُّنْيَا بغيرك أفرح

وَإِن كَانَ شَيْء بالبلاد بأسرها ... إِذا غبت عَن عَيْني لعَيْنِي يملح

فَإِن شِئْت واصلني وَإِن شِئْت لَا تصل ... فلست أرى قلبِي لغيرك يصلح

وأمَّا الشوق إِلَى لقاء الله فهو أجل مقامات العارفين في الدُّنْيَا؛ وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان يدعو: "اللهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيَّ، وَخَشْيَتَكَ أَخْوَفَ الْأَشْيَاءِ عِنْدِي، وَاقْطَعْ عَنِّي حَاجَاتِ الدُّنْيَا بِالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِكَ، وَإِذَا أَقْرَرْتَ أَعْيُنَ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ دُنْيَاهُمْ فَأَقِرَّ عَيْنِي مِنْ عِبَادَتِكَ" (١).

وإنما قال: "مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" لأنَّ الشوق إِلَى لقاء الله يستلزم محبة الموت، والموتُ يقع تمنيه كثيرًا من أهل الدُّنْيَا؛ بوقوع الضرَّاء المُضرة في الدُّنْيَا، وإن كان منهيًّا عنه في الشرع.

ويقع من أهل الدين تمنيه؛ لخشية الوقوع في الفتن المُضلَّة.

فسأل تمنّي الموت خاليًا من هذين الحالين، وأنْ يكون ناشئًا عن محض محبَّة الله والشوق إِلَى لقائه؛ وقد حصل هذا المقامُ لكثيرٍ من السلف. قال أبو الدرداء: أَحَبّ الموتَ اشتياقًا إِلَى ربي.

وقال أبو عُتبة (الخواص) (**): كان إخوانكم لقاء الله أحب إليهم من الشَّهد.

وقالت رابعةُ: طالت عليّ الأيامُ والليالي بالشوق إِلَى لقاء الله.

ومكث فتح بن (شخرف) (٢) ثلاثين سنة لم يرفع رأسه إِلَى السماء، ثم رفع رأسه فَقَالَ: طال شوقي إليك فعجَّل بالقدوم عليك.


(*) إذا: "نسخة".
(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٢٨٢).
(**) الخولاني: "نسخة".
(٢) في المطبوع "شخروق" والصواب ما أثبتناه. انظر "طبقات الأولياء" لابن الملقن (ص ٢٢٢، ٢٧٤، ٣١٩)، و"طبقات الصوفية" (ص ١١، ١٤٣) و"سير أعلام النبلاء" (٣/ ٩٣) و"تاريخ بغداد" (١٢/ ٣٨٤).