للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعاصي، ومِن كرمي أن أعطي العبد ما سألني، وأعطيه ما لم يسألني، ومن كرمي أن أعطي التائب كأنَّه لم يعصني. فأين عني يهرب الخلائق، وأين عن بابي ينتحيَّ العاصون (١). ما للعصاة مهرب من الله إلاَّ إِلَيْهِ، فيهربون منه إِلَيْهِ.

هربت مِنْهُ إِلَيْهِ ... بَكَيْت مِنْهُ عَلَيْهِ

وَحقه هُوَ سؤلي ... لَا زلت بَين يَدَيْهِ

حَتَّى أنال وأحظى ... بِمَا أرجي لَدَيْهِ

أَسَأْت وَلم أحسن وجئتك تَائِبًا ... وَأَنِّي لعبد عَن موَالِيه يهرب

يؤمل غفرانًا فَإِن خَابَ ظَنّه ... فَمَا أحد مِنْهُ عَلَى الأَرْض أخيب

وهذا معنى: "لا ملجأ منك إلا إليك" هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأفرح بتوبة عبده ممن فقد راحلته بأرض مهلكة، حتى يئس من الحياة ثم وجدها.

يا مطرود احذر أنْ تُفارق عتبة بابهم، يا مرميَّا بالبُعاد إياك أنْ تبعد عن جنابهم، يا مهجورًا ابْكِ وترام عليهم، يا متوعَّدا بالعقاب لا تهرب منهم إلاَّ إليهم.

في حديث جابر، المرفوع: "إِنَّ الْعَبْدَ (لِيَدْعُو) (*) اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَيُعْرِضُ عَنْهُ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُوهُ حَتَّى يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: إِنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَى أَنْ يَدْعُوَ غَيْرِي فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لَهُ".

كان رجلٌ من أصحاب ذي النون يطوف في السِّكك يبكي، ويُنادي: أين قلبي، أين قلبي، مَن وجد قلبي؟! فدخل يومًا بعضَ السكك، فوجد صبيًّا يبكي وأمّه تضربه، ثم أخرجته من الدار وأغلقت الباب دونه. فجعل الصبي يلتفت يمينًا وشمالاً، ولا يدري أين يذهب ولا أين يقصد. فرجع إِلَى باب


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٩٢).
(*) ليدع: "نسخة".