للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رواية لمسلم (١): "وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ المَسْأَلَة ولِيعظمْ الرَّغبة؛ فإنَّ الله لاَ يَتعَاظَمهُ شيء".

وفي رواية للبخاري (٢): "إنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وأنَّه يَفعَلُ مَا يَشاءُ ولاَ مكره له".

النوع الثاني: ما لا يعلم هل هو خير للعبد أم لا، كالموت والحياة، والغنى والفقر، والولد والأهل، وكسائر حوائج الدُّنْيَا التي تُجْهَل عواقبها، فهذه لا ينبغي أن يسأل الله منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد، فإن العبد جاهل بعواقب الأمور، وهو مع هذا عاجز عن تحصيل مصالحه ودفع مضاره، فيتعين عليه أن يسأل حوائجه من هو عالم قادر، ولهذا شرعت الاستخارة في الأمور الدنيوية كلها، وشرع أن يقول الداعي في استخارته: "اللَّهُمَّ أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويسميه باسمه- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي ودُنْيَايَ" (٣).

وكذلك في هذا الدعاء يسأل الله بعلمه الغيب وقدرته عَلَى الخلق ما يعلم له فيه الخيرة من موت أو حياة.

وقد تضمن الدعاء الَّذِي في هذا الحديث النوعين معًا، فإنه لما سأل الموت والحياة قيد ذلك بما يعلم الله أن فيه الخيرة لعبده، ولما سأل الخشية وما بعدها مما هو خير صرف جزم به ولم يقيده بشيء.

في "الصحيحين" (٤) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا عَلِمت الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي".


(١) برقم (٢٦٧٩).
(٢) برقم (٧٤٧٧).
(٣) أخرجه البخاري (٦٣٨٢) من حديث جابر.
(٤) أخرجه البخاري (٥٦٧١، ٦٣٥١، ٧٢٣٣)، ومسلم (٢٦٨).