للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قال: الرضا بعد القضاء؛ لأنّ الرضا قبل القضاء، عزم عَلَى الرضا فَإِذَا وقع القضاء فقد تنفسخ العزائم.

كما قال بعضهم:

وليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فامتحني

فامتحن بعسر البول فلم يصبر، وجعل يطوف عَلَى المكاتب ويقول للصبيان: ادعو لعمكم الكذاب.

وكذا قول من قال: لو أدخلني النار كنت راضيًا.

هو أيضًا عزم عَلَى الرضا، ولا يدري هل يثبت أو ينفسخ، فلا ينبغي للعبد أن يتعرض للبلاء، ولكن يسأل الله العافية وأن يرزقه الرضا بالبلاء إِنَّ قدر له البلاء.

كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما تركتني هذه الدعوات، ولي سرور في غير مواقع القضاء والقدر، اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك، حتى لا أَحَبّ تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت.

وقال بعضهم: الراضي لا يتمنى غير منزلته التي هو عليها؛ لأنّه قد رضي بها، وقد يستغرق المحب في الرضا عن حبيبه، حتى لا يحس بألم البلاء؛ لملاحظته عظمة المبتلي وكماله، وحكمته ورحمته، وأنه غير متهم في قضائه، وقد وصى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا فَقَالَ له: "لا تتهم اللَّه فيما قضاه لك" (١).

كان بعض أهل البلاء يقول: لو قطعني إربًا إربًا ما ازددت له إلا حبًّا.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٠٤) من حديث عمرو بن العاص.
قال الهيثمي في "المجمع" (١/ ٦٠): رواه أحمد، وفي إسناده رشدين وهو ضعيف.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣١٨ - ٣١٩)، والبيهقي في "الشعب" (٩٧١٤) من حديث عبادة بن الصامت.
قلت: وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف أيضاً.