للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي ليلى: إذا تجلى لهم ربهم، فلا يكون ما أعطوا عند ذلك بشيء، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إِلَى ربهم عز وجل.

وقال الحسن: لو يعلم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لماتوا.

وفي رواية قال: لذابت أنفسهم.

وكان أبو سليمان يقول: أي شيء أراد أهل المعرفة؟ ما أرادوا كلهم إلا ما سأل موسى عليه السلام.

قال ذو النون: ما طابت الدُّنْيَا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته.

وقال بعضهم: لو أن الله احتجب عن أهل الجنة، لاستغاث أهل الجنة من الجنة، كما يستغيث أهل النار من النار.

وكان بعض العابدين يقول: ليت ربي جعل ثوابي من عملي نظرة إِلَيْهِ ثم يقول: كن ترابًا. وكان علي بن الموفق يقول كثيرًا: اللهم إِن كنت تعلم أني أعبدك خوفًا من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أنىِ أعبدك شوقًا إِلَى جنتك فاحرمنيها (١)، وإن كنت تعلم أني إِنَّمَا أعبدك حبًّا لك وشوقًا إِلَى وجهك الكريم فأبحنيه وافعل بي ما شئت.

العارفون في شغل عن الجنة، فكيف يلتفتون إِلَى الدُّنْيَا.

وأنشد بعض العارفين هذا المعنى:

يا حبيب القلوب من لي سواك ... ارحم اليوم مذنبًا أتاكا

أنت سؤلي ومنيتي وسروري ... قد أبى القلب أن يحب سواكا

يا مرادي وسيدي واعتمادي ... طال شوقي متى يكون لقاكا

ليس سؤلي من الجنان نعيم ... غير أني أريدها لأراكا


(١) هذا مخالف للهدي الصحيح، وسبق التعليق عَلَى مثل هذا القول، وكثيرًا ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار.