للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوق هذا. قلتُ: كيف أصعد هذا ورأسُه في السماء. قال: فأخذ بيدي فدخلَ بي، فَإِذَا أنا متعلِّق بالحلْقة، ثم ضرب العمود فخرَّ وبقيتُ متعلقًا بالحلْقة حتى أصبحت. قال: فَأتَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ قَالَ: «أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِيَ طَرِيقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِيَ طَرِيقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ وَلَنْ تَنَالَهُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَهُوَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ عُرْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَنْ تَزَالَ مُتَمَسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ».

وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (١).

فأخبر -صلى الله عليه وسلم-وهو الطريق القاصد- عليه، يعني: أنه يُوصل إِلَيْهِ، وأنَّ من السبيل ما هو جائر عن القصد غير مُوصل.

فالسبيل القاصد هو الصراط المستقيم، والسبيل الجائر هو سبيلُ الشيطان الرجيم، وقد وحَّد طريقه في أكثر المواضع، وجَمع طُرق الضلال؛ لأنّ طريق الحق أصلُه شيء واحد، ودين الإسلام العام كما سبق، وهو توحيدُ الله وطاعته، وطُرق الضلالة كثيرة متبوعة، وإنْ جمعها الشرك والمعصية.

قوله: "وعلى جنبتي الصراط سُوران" ثم فسّرهما بحدود اللَّه.

والمرَاد أنَّ الله تعالى حد حدودًا ونهى عن تعديها؛ فمن تعدَّاها فقد ظلم نفسه وخرج عن الصراط المستقيم الَّذِي أمر بالثبوت عليه.

ولما كان السور يمنع مَن وراءه مِن تعديه ومجاوزته سمَّى حدود اللَّه سورًا؛ لأنّه يمنع من دخله مِن مجارزته وتعدي حدوده.

قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (٢) وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إِلَى قوله:


(١) النحل: ٩.
(٢) البقرة: ٢٢٩.