للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (١) وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاً تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٢) وقال: {نَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاً تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاً يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (٣).

وفي حديث أبي ثعلبة الخُشني، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاً تُضَيِّعُوها، وَحَرَّمَ أَشْيَاءً فَلاَ تَنتَهِكُوهَا، وَحَّدَّ حُدُودًا فَلاً تَعْتَدُوهَا" (٤).

فحدودُ اللَّه تُطلق ويُراد بها غالبًا ما أذن فيه وأباح؛ فمن تعدَّى هذه الحُدود فقد خرج مما أحلَّه اللَّه إِلَى ما حرَّمه، فلهذا نُهِيَ عن تعدي حُدود الله؛ لأنّ تعديها بهذا المعنى محرَّم.

ويُراد بها تارة ما حرَّمه الله ونهى عنه.

وبهذا المعنى يُقال: لا تقربوا حدود اللَّه؛ كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاً تَقْرَبُوهَا} (٥) بعد أنْ نهى عن ارتكاب المفطرات في نهار الصيام، وعن مباشرة النساء في الاعتكاف في المساجد.

فأراد بحدوده هاهنا ما نهى عنه؛ فلذلك نهى عن قُربانه.


(١) النساء: ١٣ - ١٤.
(٢) البقرة: ٢٢٩.
(٣) الطلاق: ١.
(٤) أخرجه الطبراني فى "الكبير" (٢٢/ ٥٨٩)، الدارقطني في "السنن" (٤/ ١٨٣١ - ١٨٤)، وأبو نعيم في "الحلية" (٩/ ١٧).
وأخرجه البيهقي في "السنن" (١٠/ ١٢) موقوفًا عَلَى أبي ثعلبة.
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" في شرح الحديث الثلاثين (٢/ ١٥٠ - الرسالة): هذا الحديث من رواية مكحول عن أبي ثعلبة الخشني، وله علتان:
إحدهما: أن مكحولًا لم يصح له السماع من أبي ثعلبة، كذلك قال أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما.
الثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه عَلَى أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر. وانظر "علل الدارقطني" (٦/ ٣٢٤ برقم (١١٧٠). وانظر "غاية المرام" للألباني (ص ١٧ - ١٩)،
(٥) البقرة: ١٨٧.