للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم فسَّر الأبواب المُفتحة بمحارم الله، لما شبّه حُدود الله بالسورين المكتنفين للصراط يَمنة ويَسرة -والسورُ يقتضي المنع، وأصل الحد في اللغة المنع- شبَّه المحارم بالأبواب المفتحة في السوريين اللذين هما حد الصراط المستقيم ونهايته.

وجعل الأبواب مفتحةً غير مغلقةٍ ولا مُقفلة، وجعل عليها ستورًا مُرخاة، بحيث يتمكن كلُّ أحد من رفع تلك الستور وولوج تلك الأبواب.

وهكذا الشهوات المحرَّمة، فإنَّ النفوس متطلعة إليها وقادرة عليها، وإنَّما يمنع منها مانعُ الإيمان خاصة. والنفوسُ مولعة بمطالعة ما مُنعت منه؛ كما في الحديث: "لَو يُمنَع النَّاس فت البعر لقالوا فيه الدر" (١).

وفي حديث آخر مرفوع: "لو نهيتُ أحدَهم أنْ يأتي الحجون لأوشك أنْ يأتيه مرارًا وليس له إِلَيْهِ حاجة" (٢).

وحكايةُ ذي النون المِصري مع يوسف بن الحسين الرازي في الطبق الَّذِي أرسله، وأمره أنْ لا يكشفه معروفة.

والمحرَّمات أمانةٌ من الله عند عبده، والسمعُ أمانة، والبصرُ واللسانُ أمانة، والفرج أمانة وهو أعظمها.

وكذلك الواجبات كلها أمانات: كالطهارة، والصيام، والصلاة، وأداء الحقوق إِلَى أهلها؛ قال اللَّه تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (٣) ثم ذكر حُكمه، فَقَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (٤).


(١) ذكره الغزالي في "الإحياء" وقال العراقي: لم أجده. (كشف الخفاء للعجلوني ٢/ ١٦٣، ٢١١)، و (المصنوع لعلي القاري ١/ ١٥٠).
(٢) أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" (٣/ ٨٤٦).
(٣) الأحزاب: ٧٢.
(٤) الأحزاب: ٧٣.