للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» (١). وفي رواية: "حُجبت" (٢) بدل: "حُفَّت".

فاللهُ -سبحانه- امتحن عباده في هذه الدار بهذه المحرَّمات من الشهوات والشُّبهات، وجعل في النفس داعيًا إِلَى حبها مع تمكن العبد منها وقُدرته عليها.

فمن أدَّى الأمانة، وحفظ حدودَ الله ومنع نفسه ما يُحبه من محارم الله كان عاقبته الجنةُ؛ كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (٣).

فلذلك يحتاج العبدُ في هذه الدار إِلَى مُجاهدة عظيمة، يُجاهد نفسه في الله -عز وجل- كما في الحديث: "المجاهدُ مَن جاهد نفسه في الله -عز وجل" (٤).

فمن كانت نفسُه شريفة، وهِمَّته عالية لم يرض لها بالمعاصي؛ فإنَّها خيانةٌ ولا يرضى بالخيانة إلاَّ مَن لا نفس له.

قال بعضُ السلف: رأيتُ المعاصي نذالة، فتركتها مروءة فاستحالت ديانة.

وقال آخر منهم: تركتُ الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.

وقال آخر: مَن عمل في السر عملاً يستحيي منه إذا ظهر عليه، فليس لنفسه عنده قدر.

قال بعضهم: ما أكرم العبادُ أنفسهم بمثل طاعة الله، ولا أهانوها بمثل معاصي الله عز وجل. فمن ارتكب المحارم فقد أهان نفسه.


(١) أخرجه مسلم (٢٨٢٢).
(٢) أخرجه البخارى (٦٤٨٧).
(٣) النازعات: ٤٠.
(٤) أخرجه أحمد (٦/ ٢١، ٢٢)، وأبو داود (٢٥٠٠)، والترمذي (١٦٢١)، والنسائي في "الكبرى" "تحفة الأشراف" (٨/ ١١٠٣٨) من حديث فضالة بن عبيد.