للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى استنطقهم حينئذٍ، فأقروا كلهم بوحدانيته، وأشهدهم عَلَى أنفسهم وأشهد عليهم أباهم آدم والملائكة.

ثم إنه تعالى تعهدهم في كل زمان بإرسال رسله، وإنزال الكتب يذكرهم بالعهد الأول، ويجدد عليهم العهد والميثاق عَلَى أن يوحدوه ويعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وأشار في خطاب آدم وحواء عند هبوطهما من الجنة إِلَى هذا المعنى في قوله تعالى: {قُلْنَا اهبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ... } (١) الآيتين، وفي سورة طه نحو هذا، فما وفى بنو آدم كلهم بهذا العهد المأخوذ عليهم؛ بل نقضه أكثرهم وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، فبعث الله الرسل تجدد ذلك العهد الأول وتدعوا إِلَى تجديد الإقرار بالوحدانية.

فكان أول رسول بعث إِلَى أهل الأرض يدعوهم إِلَى التوحيد وينهاهم عن الشرك نوح -عليه السلام- فإن الشرك قد فشا في الأرض في بني آدم قبل نوح، فبعث الله نوحًا في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو إِلَى الله وإلى عبادته وحده لا شريك له، كما ذكره سبحانه في سورة نوح عنه أنه قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وأَطِيعُونِ} (٢) وأخبر فى موضع آخر عنه أنه قال لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} (٣) فما استجاب له إلا قليل منهم، وأكثرهم أصروا عَلَى الشرك {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتِكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ ودًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ ويَعُوق ونَسْرًا} (٤) فلما أصروا عَلَى كفرهم أغرقهم الله بالطوفان ونَجَّى نوحًا ومن معه في الفلك {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} (٥).

ثم إِنَّ الله تعالى بعث خليله إبراهيم فدعا إِلَى توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وناظر عَلَى ذلك أحسن مناظرة، وأبطل شبه المشركين بالبراهين


(١) البقرة: ٣٨ - ٣٩.
(٢) نوح: ٣.
(٣) المؤمنون: ٢٣.
(٤) نوح: ٢٣.
(٥) هود: ٤٠.