للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواضحة، وكسر أصنام قومه حتى جعلهم جذاذًا (١) فأرادوا تحريقه فنجّاه الله من النار وجعلها عليه بردًا وسلامًا ووهب الله له إسماعيل وإسحاق، فجعل عامة الأنبياء من ذرية إسحاق؛ فإن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق، وأنبياء بني إسرائيل كلهم من ذرية يعقوب، كيوسف وموسى وداود وسليمان -عليهم السلام- وآخرهم المسيح ابن مريم -عليه السلام- وإنما دعاهم إِلَى التوحيد كما قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (٢).

ثم طبق الشرك الأرض بعد المسيح؛ فإن قومه الذين ادعوا اتباعه والإيمان به أشركوا غاية الشرك، فجعلوا المسيح هو الله أو ابن الله، وجعلوا الله ثالث ثلاثة.

وأما اليهود فإنهم -وإن تبرءوا من الشرك- فالشرك فيهم موجود؛ فإن فيهم من عبد العجل في حياة موسى -عليه السلام- وقال فيه أنه الله، وأن موسى نسي ربه وذهب يطلبه، ولا شرك أعظم من هذا.

ومنهم طائفة قالوا: العزير ابن الله، وهذا من أعظم الشرك. وأكثرهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال، فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم؛ لأنّ من أطاع مخلوقًا في معصية الخالق أو اعتقد جواز طاعته ووجوبها؛ أقد أشرك بهذا الاعتبار، حيث جعل التحريم والتحليل لغير الله.

وأما المجوس فشركهم ظاهر؛ فإنهم يَقُولُونَ إلهين قديمين أحدهما: نور.

والآخر: ظلمة، فالنور خالق الخير، والظلمة خالق الشر. وكانوا يعبدون النيران.

وأما العرب والهند وغيرهم من الأم فكانوا أظهر الناس شركًا يعبدون مع الله آلهة كثيرة ويزعمون أنها تقرب إِلَيْهِ زلفى.

فلما طبق الشرك أقطار الأرض، واستطار شررُهُ في الآفاق من المشرق إلى المغرب، بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحنيفية المحضة والتوحيد الخالص -دين


(١) أي: قِطَعًا وكِسَرًَا، واحدها: جذٌّ -انظر "النهاية" (١/ ٢٥٠).
(٢) المائدة: ١١٧.