للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبراهيم عليه السلام- وأمره أن يدعو الخلق كلهم إِلَى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فكان يدعو إِلَى ذلك سرًّا ثلاث سنين، فاستجاب له طائفة من الناس، ثم أمر بإعلان الدعوة وإظهارها، وقيل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (١) فدعا إِلَى الله وإلى توحيده وعبادته وحده لا شريك له جهرًا، وأعلن الدعوة، وذم الآلهة التي تعبد من دون الله، وذم من عبدها وأخبر أنه من أهل النار، فثار عليه المشركون، واجتهدوا في إيصال الأذى إِلَيْهِ وإلى أتباعه، وفي إطفاء نور الله الَّذِي بعثه به، وهو لا يزداد إلا إعلانًا بالدعوة وتصميمًا عَلَى إظهارها وإشهارها والنداء بها في مجامع الناس.

وكان يخرج بنفسه في مواسم الحج إِلَى من يقدم إِلَى مكة من قبائل العرب، فيعرض نفسه عليهم، ويدعوهم إِلَى التوحيد، وهم لا يستجيبون له، بل يردون عليه قوله ويُسْمِعُونه ما يكره، وربما نالوه بالأذى. وبقي عشر سنين عَلَى ذلك يقول: "من يمنعني حتى أؤدي رسالات ربي؟ فإن قريشًا منعوني أن أُبَلِّغَ رسالات ربي".

وكان يشق أسواقهم في المواسم وهم مزدحمون بها، كسوق ذي المجاز، ينادي يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا" ووراءه أبو لهب يؤذيه ويرد عليه وينهى الناس عن اتباعه.

واجتمع المشركون مرة عند عمه أبي طالب يشكونه إِلَيْهِ ويَقُولُونَ: شتم آلهتنا وسفه أحلامنا وسب آباءنا، فمُرْهُ فلْيَكُفَّ عن آلهتنا. فَقَالَ أبو طالب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أجب قومك فيما سألوا. فَقَالَ: أنا أدعوهم إِلَى خير من ذلك: أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكوا بها العجم. فَقَالَ أبو جهل: نعطكها وعشر أمثالها. فَقَالَ: تقولون لا إله إلا الله. فنفروا عند ذلك وتفرقوا وهم يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (٢) " وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمه: "يا عم، لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن


(١) الحجر: ٩٤.
(٢) ص: ٥.