للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يساري عَلَى أنْ أتركَ هذا الأمر حتى يظهرَه الله أو أهلك في طلبه ما تركتُه" (١).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثون -من يوم وليلة- وما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال" (٢).

وفي رواية عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا أُوذِيَ أَحَدٌ فِي اللهِ مَا أُوذِيتُ» (٣).

كان العدو يجهد له في نيل الأذى، والصديق يلوم عَلَى هذا الاحتمال إذا كان كذا، والمحبة تقول:

حبذا هذا الشقاء في رضى ... الحبيب والدعوة إِلَى توحيده حبذا

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم

أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبًّا لذكرك فليلمني اللوم

ثم إِنَّ أبا طالب لما توفى وتوفيت بعده خديجة اشتد المشركون عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى اضطروه أن خرج من مكة إِلَى الطائف، فدعاهم إِلَى عبادة الله وحده لا شريك له، فلم يجيبوه وقابلوه بغاية الأذى، وأمروه بالخروج من أرضهم، وأغروا به سفهاءَهم، فاصطفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أَدْمَوْهُ، فخرج هو ومعه مولاه زيد بن حارثة، فلم يمكنه دخول مكة إلا بجوار، وطلب من جماعة من رؤساء قريش أن يُجيرُوه حتى يدخل مكة، فلم يفعلوا حتى أجاره المطعم بن عدي، فدخل في جواره، وعاد إِلَى ما كان عليه من الدعاء إِلَى توحيد الله وعبادته.


(١) انظر "سيرة ابن هشام" (١/ ٢٥٧).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠، ١٨٦)، والترمذي (٢٤٧٢)، وابن ماجه (١٥١) من حديث أنس.
(٣) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٧/ ١٥٥) من حديث جابر، وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٣٣٣) من حديث أنس.