للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأموال من الفيء والغنائم، فيحصل تبعًا لا قصدًا أصليًّا، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال. وفي ذلك نزل قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاً تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (١) لا عزم الأنصار عَلَى ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم.

وفي الحديث الَّذِي خرجه أبو داود (٢) وغيره (٣): «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لاً يَنْزِعُهُ اللهُ مِنْ رِقَابِكُمْ حَتَّى ترَاجِعُوا دِينِكُمْ» ولهذا كره الصحابة- رضي الله عنهم- الدخول في أرض الخراج للزراعة؛ فإنها تشغل عن الجهاد.

قال مكحول: إِنَّ المسلمين لما قدموا الشام ذكر لهم زرع الحولة فزرعوا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فبعث إِلَى زرعهم وقد ابيضَّ وأدرك فحرقه بالنار، ثم كتب إليهم: إِنَّ الله جعل أرزاق هذه الأمة في أسنة رماحها، وتحت أزجتها (٤)، فَإِذَا زرعوا كانوا كالناس. خرَّجه أسد بن موسى.

وروى أيضاً بسند له عن عمر أنه كتب: من زرع زرعًا واتبع أذناب البقر ورضي بذلك وأقر به جعلت عليه الجزية.

وقيل لبعضها: لو اتخذت مزرعة للعيال؟ فَقَالَ: والله ما جئنا زارعين، ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكمل زرعهم.

فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله، والدعوة إِلَى طاعته، لا يطلب الدُّنْيَا، ويأخذ من مال الفىء ونحوه قدر الكفاية، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم


(١) البقرة: ١٩٥.
(٢) برقم (٣٤٦٢).
(٣) وأخرجه أحمد (٢/ ٢٨، ٤٢، ٨٤).
(٤) أزجتها: الزج: الحديدة التي تركب فى أسفل الرمح. "اللسان" (٢/ ٢٨٥).