للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رزق رسوله منه، وإنما كان أحل لغيره لوجوه: منها: أنه انتزع ممن لا يستحقه؛ لأنّه يستعين به عَلَى معصية الله والشرك به، فَإِذَا انتزعه ممن يستعين به عَلَى غير طاعته وتوحيده والدعوة إِلَى عبادته؛ كان ذلك أَحَبّ الأموال إِلَى الله تعالى وأطيب وجوه اكتسابها عنده.

ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا [ودينه] (١) هو الظاهر لا لأجل الغنيمة؛ فيحصل له الرزق تبعًا لعبادته وجهاده في الله، فلا يكون فَرَّغَ وقتًا من أوقاته لطلب الرزق محضًا، وإنما عبد الله في جميع أوقاته وَوَحَّدَهُ فيها وأخلص له، فجعل الله له رزقه ميسرًا له في ضمن ذلك، من غير أن يقصده ولا يسعى فيه.

وجاء في حديث مرسل أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَنَا رَسُولُ الرَّحْمَةِ، أَنَا رَسُولُ الْمَلْحَمَةِ، إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالجِهَادِ وَلَمْ يَبعَثنِي بِالزَّرْعِ" (٢) وخرج البغوي في "معجمه" حديثًا مرفوعًا: "إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ وَلَمْ يَجْعَلَنِي زراعًا ولا تاجرًا، ولا سخابًا بالأسواق، وجعل رزقي في رمحي" وإنما ذكر الرمح ولم يذكر السيف لئلا يقال أنه -صلى الله عليه وسلم- يرزق من مال الغنيمة، إِنَّمَا كان يرزق مما أفاء الله عليه من خيبر وفدك.

والفيء ما هرب أهله منه خوفًا وتركوه، بخلاف الغنيمة؛ فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف، وذكر الرمح أقرب إِلَى حصول الفىء؛ لأنّ الرمح يراه العدو من بعيد فيهرب، فيكون هرب العدو من ظل الرمح، المأخوذ به هو مال الفيء، ومنه كان رزق النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف مال الغنيمة؛ فإنه يحصل من قتال السيف، والله أعلم.

قال عمر بن عبد العزيز: إِنَّ الله تعالى بعث مُحَمَّدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا، فكان -صلى الله عليه وسلم- شغله بطاعة الله والدعوة إِلَى توحيده، وما يحصل في خلال ذلك


(١) في "الأصل": ودنيه. وهو سبق قلم من الناسخ، والصواب ما أثبتناه.
(٢) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٣/ ٣١٢).