للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوحيد (١)، وكذلك أمر علي بن أبي طالب حين بعثه لقتال أهل خيبر.

وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا بعث بعثًا قال: «تَأَلَّفُوا النَّاسَ وَتَأَنُّوا بِهِمْ، فَلَا تُغِيرُوا عَلَيْهِمْ حَيٍّ تَدْعُوهُمْ, فَمَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلاَّ أَنْ تَأْتُونِي بِهِمْ مُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَأْتُونِي بِنِسَائِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ وَتَقْتُلُوا رِجَالَهُمْ» ((٢).

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي" أشار إِلَى أن الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدُّنْيَا، ولا لجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد بالسعي في أسبابها، وفإنما بعثه داعيًا إِلَى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح أموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعداله، فإن المال إِنَّمَا خلقه الله لبني آدم يستعينون به عَلَى طاعة الله وعبادته، فمن استعان به عَلَى الكفر بالله والشرك به سلط اللهُ عليه رسولَه وأتباعه فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته، ولهذا يسمى الفيء فيئًا؛ لرجوعه إلى من كان أحق به ولأجله خلق.

وكان في القرآن المنسوخ: "إِنَّمَا أنزل المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة".

فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك، فلذلك سلط الله رسوله وأتباعه عَلَى من كفر به وأشرك، فانتزعوا أموالهم، وجعل رزق رسوله من هذا المال؛ لأنه أحل الأموال كما قال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (٣) وهذا مما خص الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأمته؛ فإنه أحل لهم الغنائم.

وقد قيل: إِنَّ الَّذِي خصت بحله هذه الأمة هو الغنيمة المأخوذة بالقتال دون الفيء المأخوذ بغير قتال، فإنه كان حلاًّ مباحًا لمن قبلنا، وهو الَّذِي جعل


(١) انظر البخاري (١٣٩٥)، ومسلم (١٩).
(٢) أخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (٢٠٣٥/ ١) من حديث عبد الرحمن بن عائذ والحارث في "مسنده" كما في البغية (٦٣٩) من حديث شريح بن عبيد.
(٣) الأنفال: ٦٩.