للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول ما يسوءه. فذكر ذلك للإمام أحمد، فَقَالَ: ما كان أعقله من رجل.

وقد روي عن الإمام أحمد أنه قِيلَ لَهُ: إِنَّ عبد الوهاب الوراق ينكر كذا وكذا، فَقَالَ: ما نزال بخير ما دام فينا من ينكر هذا. ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له اتق الله يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: "لا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم".

وردَّت عليه امرأة مقالته، فرجع إليها وقال: "امرأة أصابت ورجل أخطأ" فلم يزل الناس بخير ما كان فيهم من يقول الحق ويبين أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي خالفها من خالفها وإن كان معذورًا مجتهدًا مغفورًا له، وهذا مما خص الله به هذه الأمة لحفظ دينها الَّذِي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنها لا تجتمع عَلَى ضلالة بخلاف الأمم السابقة.

فهاهنا أمران:

أحدهما: أن من خالف أمر الرسول في شيء خطأ مع اجتهاده في طاعته ومتابعته أوامره؛ فإنه مغفور له لا تنقص درجته بذلك.

والثاني: أنه لا يمنع تعظيمه ومحبته من تبيين مخالفة قوله لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونصيحة الأمة تبيين أمر الرسول لهم، ونفس ذلك الرجل المحبوب المعظم لو علم أن قوله مخالف لأمر الرسول؛ فإنه لأحب من يبين ذلك للأمة ويرشدهم إِلَى أمر الرسول، ويردهم في قوله في نفسه، وهذه النكتة تخفى عَلَى كثير من الجهال بسبب غلوهم في التقليد.

وظنهم أن الرد عَلَى معظم من عالم وصالح تنقص به، وليس كذلك، وبسبب الغفلة عن ذلك تبدل دين أهل الكتاب، فإنهم اتبعوا زلات علمائهم، وأعرضوا عما جاءت به أنبياؤهم، حتى تبدَّلَ دينهم؛ واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله. فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم إياهم. فكان كلما كان فيهم رئيس كبير