للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معظم مطاع عند الملوك قبل منه كل ما قال، ويحمل الناس الملوك عَلَى قوله.

وليس فيهم من يرد قوله، ولا يبين مخالفته للدين.

وهذه الأمة عصمها الله عن الاجتماع عَلَى ضلالة، فلا بد أن يكون فيهم من ييين أمر الله ورسوله، ولو اجتهدت الملوك عَلَى جمع الأمة عَلَى خلافه لم يتم لهم أمرهم. كما جرى مع المأمون والمعتصم والواثق، حيث اجتهدوا عَلَى إظهار القول بخلق القرآن، وقتلوا الناس وضربوهم وحبسوهم عَلَى ذلك، وأجابهم العُلَمَاء تُقْية وخوفًا، فأقام الله إمام المسلمين في وقتهم: أحمد بن حنبل، فرد باطلهم حتى اضمحل أمرهم، وصار الحق هو الظاهر في جميع بلاد الإسلام والسنة، ولم يكن الإمام أحمد يحابي أحدًا في مخالفة أمر الرسول وإن دق. ولو عظم مخالفه في نفوس الخلق. فقد تكلم في بعض أعيان مشايخ العِلْم والدين لمسألة أخطأها، فحمل أمره لا مات لم يصل عليه إلا نحو أربعة أنفس، وكان كلما تكلم في أحد سقط؛ لأنّ كلامه تعظيمِ لأمر الله ورسوله لا لهوى نفسه.

ولقد كان بشر الحافي يقول لمن سأله عن مرضه: أحمد الله إليكم، بي كذا وكذا. فنقل ذلك للإمام أحمد، وقالوا: هو يبدأ بالحمد قبل أن يصف مرضه، فَقَالَ أحمد: سلوه عمن أخذ هذا؟ يعني إِن كان هذا لم ينقل عن السلف فلا يقبل منه، فَقَالَ بشر: عندي فيه أثر، ثم روى بإسناده عن بعض السلف قال: "من بدأ بالحمد قبل الشكوى لم تكتب عليه الشكوى" فبلغ ذلك الإمام أحمد فقبل قوله.

وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" (١) فأمر الله رسوله بالرد عَلَى من خالف أمر الله ورسوله لا يتلقى إلا عمن عرف ما جاء به الرسول وخبره خبرة تامة. قال بعض الأئمة: لا يؤخذ العِلْم إلا عمن عرف بالطلب.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨) من حديث عائشة.