للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، والانتقال من الغفلة إِلَى اليقظة، ومن البطالة إِلَى العمل، ومن التخليط إِلَى التكسب [ومن] (١) القول والفعل إِلَى الورع، ومعرفة عيوب النفس وآفاتها واحتقارها، فأما من صحبهم وافتخر بصحبتهم وادعى بذلك الدعاوى العريضة وهو مصر عَلَى غفلته وكسله وبطالته، فهو منقطع عن الله من حيث ظن الوصول إِلَيْهِ، كذلك المبالغة في تعظيمِ الشيوخ وتنزيلهم منزلة الأنبياء هو مما نهي عنه.

وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- يكرهون أن يطلب منهم الدعاء ويَقُولُونَ: "أنبياء نحن؟! " فدل عَلَى أن هذه المنزلة لا تنبغي إلا للأنبياء -عليهم السلام- وكذلك التبرك بالآثار ولما كان يفعله الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم بعضًا، ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علو قدرهم.

فدل عَلَى أن هذا لا يفعله يترقى إِلَى نوع من الشرك، كل هذا إِنَّمَا جاء من التشبه بأهل الكتاب والمشركين الَّذِي نُهِيَتْ عنه هذه الأمة إلا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل التبرك بوضوئه (٢) وفضلاته -صلى الله عليه وسلم- وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه.

وفي الجملة هذه الأشياء فتنة للمعظِّم والمعظَّم لما يخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة. وربما يترقى إِلَى نوع من الشرك كل هذا إِنَّمَا جاء من التشبه بأهل الكتاب والمشركين الَّذِي نهيت هذه الأمة عنه.

وفي الحديث الَّذِي في "السنن": «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ، السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ» (٣) فالغلو من صفات النصارى، والجفاء من صفات اليهود، والقسط هو المأمور به.


(١) ليست بالأصل، وأثبتها لمناسبة السياق.
(٢) في "الأصل": بوطئه، والمثبت أنسب للسياق.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٨٤٣).