للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن (ترى) (*) الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع".

ونظر عمر رضي الله عنه إِلَى شاب قد نكس رأسه فَقَالَ له: يا هذا، ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد عَلَى ما في القلب.

فمن أظهر للناس خشوعًا فوق ما في قلبه، فإنما هو نفاق عَلَى نفاق.

وأصل الخشوع الحاصل في القلب، إِنَّمَا هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله، فمن كان بالله أعرف (فهو) (**) له أخشع.

وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع، فمن خاشع لقوة مطالعته (لقرب) ( ... ) الله من عبده، واطلاعه عَلَى سره وضميره المقتضي الاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات، ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه، المقتضي لهيبته وإجلاله، ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إِلَى لقائه ورؤيته، ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه، وعقابه المقتضي للخوف منه وهو سبحانه وتعالى جابر القلوب المنكسرة لأجله، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته (الوافدين) (****) بين يديه، المتضرعين إِلَيْهِ في الوقف بعرفة، ويدنو ويباهي بهم الملائكة وكما يتقرب من عباده (الداعين) (*****) له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم (سؤلهم) (******)، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة.


(*) يُرى: "نسخة".
(**) كان: "نسخة".
( ... ) قرب: "نسخة".
(****) الواقفين: "نسخة".
(*****) الدائبين: "نسخة".
(******) سؤالهم: "نسخة".