للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المعنى أحاديث أُخر متعددة.

وقال عطاء: سمعت أبا هريرة يقول: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَلْتَفِتْ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ إِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ، وَإِنَّهُ يُنَاجِيهِ فَلَا يَلْتَفِتْ».

قال عطاء رحمه الله تعالى: وبلغنا أن الرب عز وجل يقول: "يَا ابْنَ آدَمَ إِلَى مَنْ تَلْتَفِتُ، أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِمَّنْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ". وخرجه البزار وغيره مرفوعًا، والموقوف أصح.

وقال أبو عمران الجوني رحمه الله تعالى: أوحى الله عز وجل إِلَى موسى عليه السلام: يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجي بقلب وجل، ولسان صادق.

ومن ذلك الركوع وهو ذل بظاهر الجسد؛ ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله حتى بايع بعضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أن لا يخر إلا قائمًا يعني أن يسجد من غير ركوع، كذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله تعالى والمحققون من العُلَمَاء.

وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (١) وتمام الخضوع في الركوع: أن يخضع القلب لله ويذل له فيتم بذلك خضوع العبد بباطنه وظاهره لله عز وجل، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه: "خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَمَا اسْتَقَلَّ بِهِ قَدَمِي" (٢)، إشارة إِلَى أن خشوعه في ركوعه قد حصل بجميع جوارحه، ومن أعظمها القلب الَّذِي هو ملك الأعضاء والجوارح، فَإِذَا خشع خشعت الجوارح، والأعضاء كلها تبعًا لخشوعه.

ومن ذلك السجود وهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه عز وجل، حيث جعل العبد أشرف ما له من الأعضاء، وأعزها عليه وأعلاها حقيقة أوضع ما يمكنه، فيضعه في التراب متعفرًا ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه وخشوعه لله عز وجل.


(١) المرسلات: ٤٨.
(٢) تقدم تخريجه.