للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صح (١) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رفع يديه في الدعاء في مواطن كثيرة، وأعظمها في الاستسقاء فإنه كان يرفع فيه يديه حتى يرى بياض إبطيه، وكذلك كان يجتهد في الرفع عشية عرفة بعرفة، وخرج الطبراني (٢) رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بعرفة ويداه إِلَى صدره كاستطعام المسكين".

وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكنًا مطرقًا برأسه، ويمد يديه كحال السائل، وهذا من أبلغ صفات الذل وإظهار المسكنة والافتقار.

ومن ذلك أيضاً افتقار القلب في الدعاء، وانكساره لله عز وجل، واستشعاره شدة الفاقة إِلَيْهِ والحاجة لديه، وعلى قدر هذه الحرقة والفاقة تكون إجابة الدعاء.

وفي "المسند" والترمذي (٣) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ".

ومن ذلك إظهار الذل باللسان في نفس السؤال والدعاء والإلحاح فيه، قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: كان يقال: أفضل الدعاء الإلحاح عَلَى الله والتضرع إِلَيْهِ.

وفي "الطبراني" (٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا يوم عرفة فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَانِي وَتَسْمَعُ كَلَامِي لاً يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ


(١) أخرجه البخاري (١٠٣١)، وسلم (٨٩٥).
(٢) في "الأوسط" (٢٨٩٢). قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ١٦٨): وفيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله، وهو ضعيف.
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ١٧٧)، والترمذي (٣٤٧٩). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٤) في "المعجم الكبير" (١١/ ١١٤٠٥)، وفي "المعجم الصغير" (٦٩٦) وقال: لم يروه عن عطاء إلا إسماعيل، ولا عنه إلا يحيى، تفرد به ابن بكير.
قال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٢٥٢): فيه يحيى بن صالح الأبلي.
قال العقيلي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير، وبقية رجاله رجال الصحيح.