للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي المِسْكِينَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

وقال أبو ذر: "أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَأَنْ أَدْنُوَا مِنْهُمْ". خرجه الإمام أحمد (١) وغيره.

وفي حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في قصة المنام: "أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ" وذكر الحديث (٢).

والمراد بالمساكين في هذه الأحاديث ونحوها: من كان قلبه مستكنًّا لله خاضعًا له خاشعًا، وظاهره كذلك.

وأكثر ما يوجد ذلك مع الفقر من المال؛ لأنّ المال يطغي.

وحديث أنس رضي الله عنه يشهد بهذا إلا أن إسناده ضعيف.

وخرج النسائي (٣) من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الفقر فقر النفس، والغنى غنى القلب".

وفي "الصحيح" (٤) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّمَا الغِنَى غِنَى النَّفْسِ".

ولهذا قال الإمام أحمد وابن عيينة وابن وهب وجماعة من الأئمة: إِنَّ الفقر الَّذِي استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو فقر النفس، فمن استكان قلبه لله عز وجل وخشع له، فهو مسكين وإن كان غنيًّا من المال؛ لأنّ استكانة القلب لا تنفك عن استكانة الجوارح، ومن خشع ظاهره واستكان وقلبه ليس بخاشع ولا مستكين فهو جبار.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٥٩، ١٧٣)، والنسائي في "الكبرى" (٦/ ٩٦).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٣)، والترمذي (٣٢٣٥) من حديث معاذ بن جبل. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (٩/ ١٥٧).
(٤) البخاري (٦٤٤٦)، ومسلم (١٠٥١).