للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث الَّذِي خرجه النسائي (١) وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر في طريق وفيه امرأة سوداء، فَقَالَ لها رجل: هاء الطريق فقالت: إِن شاء أخذ يمنة وإن شاء أخذ يسرة، فَقَالَ رسول الله: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا جَبَّارَةٌ" فقالوا: يا رسول الله إنها تعني إنها مسكينة، فَقَالَ: "إِنَّ ذلك في قلبها".

وقال الحسن رحمه الله تعالى: إِنَّ قومًا جعلوا التواضع في لباسهم، والكبر في قلوبهم، ولبسوا مدارع (٢) الصوف، والله لأحدهم أشد كبرًا بمدرعته من صاحب السرير بسريره، وصاحب المطرف (٣) بمطرفه.

وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أنكر أن يكون لبس الثوب الحسن والنعل الحسن كبرًا، وقال: "الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ" (٤) وهذا تصريح بأن حسن اللباس ليس بكبر الكبر إِنَّمَا هو في القلب وهو عدم الانقياد للحق تكبرًا عليه، وغمط الناس هو: احتقارهم وازدراؤهم، فمن كان في نفسه عظيمًا بحيث يحقر الناس لاستعظام نفسه، ويأنف من الانقياد للحق تكبرًا عليه فهو المتكبر، وإن كان ثوبه ليس بحسن، ونعله ليس بحسن، ومن ترك اللباس الحسن تواضعًا لله وخشية أن يقع في نفسه شيء من الكبر فقد أحسن فيما فعل، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأنبجانية التي لبسها: "إِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي" (٥) يدل عَلَى ذلك. (فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-) (*).

ومما اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- مقام العبودية عَلَى مقام الملك، وقام بين يديه - صلى الله عليه وسلم - رجل يوم الفتح فارتعد فَقَالَ له: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، إِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» (٦).


(١) في "الكبرى" (٦/ ١٤٣) قال النسائي: عافيه بن يزيد ثقة، وسليمان الهاشمي لا أعرفه.
(٢) المدرعة: ثوب لا يكون إلا من صوف. "القاموس المحيط" مادة: (درع).
(٣) المُطرّف: رداء من خزٍّ مربع ذو أعلام. "القاموس المحيط" مادة: (طرف).
(٤) أخرجه مسلم (٩١).
(٥) أخرجه البخاري (١/ ٤٠٦)، ومسلم (٥٥٦).
(*) كذا بالأصل، والمعنى يستقيم بدونها.
(٦) أخرجه ابن ماجه (٣٣١٢).