للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْتُمْ؟» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ (تَتَبَاغَضُونَ)» (*).

وفي "صحيح البخاري" (١)، عن عمرو بن عوف، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».

وفي "الصحيحين" (٢) من حديث عقبة بن عامر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- معناه أيضاً.

ولما فتحت كنوز كسرى عَلَى عمر رضي الله عنه بكى وقال: إِنَّ هذا لم يفتح عَلَى قوم قط إلا جُعِلَ بأسُهُمْ بينهم -أو كما قال.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخشى عَلَى أمته هاتين الفتنتين، كما في "مسند الإمام أحمد" (٣)، عن أبي برزة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلَّاتِ الفِتَنِ»، وفي رواية: «وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى».

فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين، بعد أن كانوا إخوانًا متحالين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق، فافتتنوا بالدنيا وزهرتها، وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون، فقطعوا لذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.


(*) تتضاغنون: "نسخة".
(١) برقم (٣١٥٨، ٤٠١٥، ٦٤٢٥)، وكذا مسلم (٩٢٦١).
(٢) أخرجه البخاري (٦٤٢٦)، ومسلم (٢٢٩٦).
(٣) (٤/ ٤٢٠).