إخواني، الخير كله منوط بالعزيمة الصادقة عَلَى الرشد، وهي الحملة الأولى التي تهزم جيوش الباطل، وتوجب الغلبة لجنود الحق.
زجر الحق فؤادي فارعوى ... وأفاق القلب مني وصحا
هزم العزم جيوشًا للهوى ... سادتي لا تعجبوا إِنَّ صلحا
قال أبو حازم: إذا عزم العبد عَلَى ترك الآثام، أتته الفتوح.
يشير إِلَى ما يُفتح عليه بتيسير الإنابة والطاعة، ومقامات العارفين.
سئل بعض السلف متى ترتحل الدُّنْيَا من القلب؟ قال: إذا وقعت العزيمة ترحلت الدُّنْيَا من القلب، ودرج القلب في ملكوت السماء، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب ورجع إِلَى الدُّنْيَا.
من صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد مترددًا طمع فيه الشيطان، وسوفه ومناه.
يا هذا كلما رآك الشيطان، قد خرجت من مجلس الذكر كما دخلت وأنت غير عازم عَلَى الرشد، فرح بك إبلس، وقال: قد فديت من لا يفلح! يا من شاب ولا تاب! ولا عزم عَلَى الرشد ولا أناب! لقد أفرحت الشيطان وأسخطت الرحمن!
وإذا تكامل للفتى من عمره ... خمسون وهو إلى التقى لا يجنح
عكفت عليه المخزيات فماله ... متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حيَّا وقال فديت من لا يفلح