لا زال ينحل جسمه حتى ... كانت أضلاعه يعدهامن رآه عدًّا.
حبي والفراق أورثاني سقما ... هذا جسدي يعد عظمًا عظما
دعني فالشوق قد كفاني خصما ... يا سهم البين قد أصبت المرمى
أخفي شجني ولوعتي تبديه ... والدمع ينم بالذي أخفيه
قلبي قلق يحب من يضنيه ... لا أعذله فما به يكفيه
كم كان يُعذل عَلَى حاله ويُلام؟! والمحبة تنهاه أن يصغي إِلَى عذل أو ملام:
لو قطعني الغرام إربًا إربًا ... ما ازددت عَلَى الملام إلا حبا
لا زلت بكم أسير وجد وصبا ... حتى أقضي عَلَى هواكم نحبا
ما زالت به المحبة حتى رقته إِلَى درجة الرضى بمُرِّ القضاء، فكان يقول: أصبحت ومالي سرور في غير مواقع القضاء والقدر.
ومات أعوانه عَلَى الخير كلهم في أيام متوالية: ابنه عبد الملك، وأخوه سهل، ومولاه مزاحم.
فكان يقول بعد موتهم في مناجاته: أنت تعلم أني ما ازددت لك إلا حبًّا، ولا فيما عندك إلا رغبة.
ولما دفن ابنه عبد الملك -وكان أَحَبّ الخلق إِلَيْهِ- قال: ما زلت أرى فيه السرور وقرة العين من يوم ولد إلي يومي هذا، فما رأيت فيه أمرًا قط أقر لعيني من أمر رأيته فيه اليوم.
وكتب إِلَى الأمصار أن الله أَحَبّ قبضه، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله، فإن خلاف ذلك لا يصلح في بلائه عندي، وإحسانه إليَّ، ونعمته عليَّ.