وكان يقول: إِنَّ لي نفسًا تواقة! ما نالت شيئًا إلا تاقت إِلَى ما هو أفضل منه! فلما نالت الخلافة، وليس فوقها في الدُّنْيَا - منزلة، تاقت إِلَى الآخرة.
وإذا كانت النفوس كبارُا ... تعبت في مرادها الأجساد
لما ولي الخلافة، سمعوا في بيته صريخًا عاليًا من النساء.
فسئل عن ذلك فقيل: إِن خير امرأته وجواريه، فَقَالَ: من أرادت منكن أن تذهب فلتذهب، ومن أرادت أن تقيم فلتقم، وليس لها مني نصيب، فإني قد نزل بي أمرٌ شغلني عنكن، فبكين إياسًا منه.
ذاكروه مرة شيئًا مما كان فيه قبل الخلافة من النعيم فبكى، حتى بكى الدم!
وكان أكثر ما يقتات به حال خلافته، العدس والزيت، فَإِذَا عوتب عَلَى ذلك يقول: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدًا في النار.
ودخل مرة عَلَى بناته وقد كن تعشين بعدس فيه بصل، فكرهن أن يشم منهن رائحة ذلك، فلما رأينه هربن، فبكى وقال: يا بناتي إما تفعلن (أن) (١) تتعشين الألوان ويذهب بأبيكن إِلَى النار.
وكان يقول لأولاده: إِنَّ أباكم خير بين أن تفتقروا ويدخل الجنة، وبين أن تستغنوا ويدخل النار، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أَحَبّ إِلَيْهِ.
كم أحمل في هواك ذلاًّ وعنا ... كم أصبر فيك تحت ضر وضنا
لا تطردني فليس لي عنك غنا ... خذ روحي إِن أردت روحي ثمنا
كان يقول لبعض أعوانه: إذا رأيتني ملت عن الحق، فضع يدك في تلبابي، ثم هزني فقل: ما تصنع يا عمر؟!
من أجلك قد تركت خدي أرضا ... للشامت والحسود حتى ترضى
مولاي إِلَى متى بهذا أحظى ... عمري يفنى وحاجتي ما تقضى
(١) بالأصول، ولعلها زائدة.