للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسعود، وقول الحسن وعلماء أهل البصرة، وهو قول فقهاء أهل الحديث كالشافعي وأحمد إسحاق وأبي عبيد وغيرهم.

وكان الأوزاعي يعد قول من رخص في الغناء من أهل المدينة من زلات العُلَمَاء التي يُؤمر باجتنابها، ويُنهى عن الاقتداء بها. وقد صنف القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي رحمه الله مصنفًا في ذم السماع، وافتتحه بأقوال العُلَمَاء في ذمه، وبدأ بقول الشافعي رحمه الله: هو لهوٌ مكروه، يشبه الباطل. وقوله: من استكثر منه فهو سفيه تُرد شهادته. قال أبو الطيب: وأما سماعه من المرأة التي ليست بمحرم له، فإن أصحاب الشافعي قالوا: لا يجوزُ بحالٍ سواء كانت مكشوفة، أو من وراء حجاب، وسواء كانت حُرة أو مملوكة.

قال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها، فهو سفه تُرد شهادته، ثم غلظ القول فيه وقال: هو دياثة.

ثم ذكر بعد ذلك قول فقهاء الأمصار، ثم قال: فقد أجمع علماء الأمصار عَلَى كراهته والمنع منه. قال: وإنما فارق الجماعة هذان الرجلان: إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم" (١). وقال: "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" (٢)، فالمصير إِلَى قول الجماعة أولى. وهذا الخلاف الَّذِي ذكرهُ في سماع الغناء المجرد.

فأما سماع آلات اللهو فلم يحك في تحريمه خلافًا وقال: إِنَّ استباحتها فسق. قال: وإنما يكون الشعر غناء إذا لُحن وصيغ صيغة تورث الطرب، وتزعج القلب، وتثير الشهوة الطبيعية، فأما الشعر من غير تلحين فهو كلام، كما قال الشافعي: الشعر كلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه. انتهى. وقد أفتى قاضي القضاة أبو بكر محمد بن المظفر الشامي الشافعي -وكان أحد العُلَمَاء الصالحين الزهاد، الحاكمين بالعدل وكان يقال عنه: لو رفع مذهب


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٨٣) من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وابن ماجه (٣٩٥٠) من حديث أنس، قال في "الزوائد": في إسناده أبو خلف الأعمى، واسمه حازم بن عطاء، وهو ضعيف، وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر. قاله شيخا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي.
(٢) أخرجه البخاري (٧٠٥٤)، ومسلم (١٨٤٧ - ١٨٥١).