للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (١) والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق باليد. كذلك قال غير واحد من السَّلف. وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ} (٢) فإنه إِنَّمَا يتقرب إِلَى الله -عز وجل- بما يُشرع التقربُ به إِلَيْهِ عَلَى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فأما ما نهي عنه، فالتقرب به إِلَيْهِ مُضادةٌ لله عزَّ وجل في أمره، قال القاضي أبو الطيب الطبري رحمه الله في كتابه في السماع: اعتقاد هذه الطائفة مخالفٌ لإجماع المسلمين؛ فإنه ليس فيهم من جعل السماع دينًا وطاعة، ولا رأى إعلانه في المساجد والجوامع، وحيث كان من البقاع الشريفة، والمشاهد الكريمة.

وكان مذهب هذه الطائفة مخالفًا لما اجتمعت عليه العُلَمَاء، ونعوذ بالله من سوء التوفيق. انتهى ما ذكره.

ولا ريب أن التقرب إِلَى الله تعالى بسماع الغناء المُلحن، لا سيما مع آلات اللهو مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، بل ومن سائر شرائع المرسلين أنه ليس مما يُتقرب به إِلَى الله، ولا مما تُزكى به النفس وتُطهر به فإن الله - تعالى- شرع عَلَى ألسنة الرسل كل ما تزكو به النفوس وتطهر من أدناسها وأوضارها.

ولم يشرع عَلَى لسان أحد من الرسل في ملة من الملل شيئًا من ذلك.

وإنما يأمر بتزكية النفوس بذلك من لا يتقيد بمتابعة الرسل من أتباع الفلاسفة، كما يأمرون بعشق الصور، وذلك كله مما تحيا به النفوس الأمارة بالسوء، لما لها فيه من الحظ. ويقوى به الهوى، وتموت به القلوب المتصلة بعلام الغيوب، وتبعد به عنه.

فغلط هؤلاء واشتبه عليهم حظوظ النفوس وشهواتها بأقوات القلوب الطاهرة، والأرواح الزكية المعلقة بالمحل الأعلى، واشتبه الأمر في ذلك أيضًا عَلَى طوائف من المسلمين ممن ينتسب إِلَى السلوك، ولكن هذا مما حدث في الإسلام بعد انقراض القُرون الفاضلة، وكان قد حدث قبل ذلك


(١) الأنفال: ٣٥.
(٢) الشورى: ٢١.