للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثان:

أحدهما: قراءة القرآن بالألحان، بأصوات الغناء وأوزانه وإيقاعاته؛ عَلَى طريقة أصحاب الموسيقى، فرخّص فيه بعض المتقدمين إذا قصد الاستعانة عَلَى إيصال معاني القرآن إِلَى القلوب؛ للتحزين والتشويق، والتخويف والترقيق.

وأنكر ذلك أكثر العُلَمَاء. ومنهم من حكاه إجماعًا ولم يثبت فيه نزاعًا، منهم أبو عُبيد وغيره من الأئمة.

وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة، تهيج الطباع. وتُلهي عن تدبُّر ما يحصل له من الاستماع، حتى يصير الالتذاذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن، وإنما وردت السنة بتحسين الصوت بالقرآن، لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد. وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب "بيان الاستغناء بالقرآن في تحصيل العِلْم والإيمان".

والحدث الثاني:

سماع القصائد الرقيقة، المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق، فكان كثيرًا من أهل السُّلوك والعبادة يستمعون ذلك، وربما أنشدوها بنوع من الألحان؛ استجلابًا لترقيق القلوب بها، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها، عَلَى جلد ونحوه بقضيب ونحوه، وكان يسمون ذلك، التغبير (١) وقد كرهه أكثر العُلَمَاء قال يزيد بن هارون: ما يُغبر إلا فاسق. ومتى كان التغبير؟

وصح عن الشافعي من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي ويونس بن عبد الأعلى أنه قال: تركتُ بالعراق شيئًا يسمونه التغبير، وضعته الزنادقة، يصدون به الناس عن القرآن. وكرهه الإمام أحمد، وقال: هو بدعة ومحدث. قِيلَ لَهُ: إنه (يرقق) (*) القلب! قال: بدعة.


(١) يغبرون: أي يهللون، ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها، سمُّوا بها؛ لأنهم يرغبون الناس في الغابرة: أي الباقية. "ترتيب القاموس" (مادة: غبر).
(*) في نسخة: "يرق".