الصلاة جامعة فيجتمع الناس قال إسماعيل: فنادي المنادي: الصلاةُ جامعة، فخرجتُ فأتيتُ للمسجدِ، وجاء عمر وصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد، فإن هؤلاء القوم قد كانوا أعطونا عطايا، والله ما كان لهم أن يعطوناها، وما كان لنا أن نقبلها منهم، وإن ذلك قد صار إليّ، ليس عليَّ فيه دون الله -تعالى- مُحاسبٌ، ألا وإني قد ردَدْتُّها وبدأت بنفسي وأهل بيتي، اقرأ يا مزاحم.
قال: وقد جيء {بسفط قبل ذلك}(١) أو قال: جونة فيها تلك الكتب - يعني: كتب الإقطاعات- قال: فقرأ مزاحم كتابًا منها، فلما فرغ من قراءتِهِ ناوله عمر وهو قاعد عَلَى المنبر، فقصه بالجلم -يعني: المقراض- فاستأنف مزاحم كتابًا آخر فجعل يقرأ فلما فرغ منه دفعه إِلَى عمر فقصه، ثم استأنف كتابًا آخر، فما زال كذلك حتى نودي لصلاة الظهر.
والمرادُ من هذه الحكاية أن عمر -رضي الله عنه- رد الأراضي التي كانت في يده، مما أقطعه إياه بنو عمه الخلفاءُ قبله، فرد ذلك إِلَى بيتِ المال ولم يبق في يده شيء. وأن عبد الملك ابنه حثه عَلَى فعل ذلك وعلى المبادرة إِلَيْهِ، حين عزم عليه خشية أن تنفسخ عزيمته عن ذلك إِن أخره إِلَى صلاة الظهر أو يموت قبل فعله.
وروى الحافظ أبو نعيم بإسناد له أن عبد الملك دخل عَلَى أبيه فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقًّا لم تُحيِهِ وباطلاً لم تُمتهُ؟
وبإسناد له أن عبد الملك بن عمر دخل عَلَى أبيه فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إِنَّ لي عليك حاجةً فأدخلني -وعنده مسلمَة بن عبد الملك- فَقَالَ عمر: أسِرٌّ دون عمك؟ فَقَالَ: نعم. فقام مسلمةُ فخرج وجلس عبد الملك بين يديه فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، ماذا أنت قائل لربك غدًا إذا سألك فَقَالَ: رأيت بدعةً فلم تُمتها وسُنَّةً فلم تُحيها؛ فَقَالَ له: يا بني، أشيءٌ حمَّلكه
(١) طمس بالأصل، واستدركناه من "المعرفة والتاريخ" للفسوي (١/ ٦١٧).