وكتب بعضُ عمال عمر بن عبد العزير إِلَيْهِ أما بعد، فإن مدينتنا قد خربَتْ فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نُعمرها به، فعل فكتب إِلَيْهِ. أما بعدُ، فقد فهمتُ كتابك وما ذكرتَ أن مدينتكم قد خربتْ، فَإِذَا قرأت كتابي هذا فأحصنها بالعدلِ، ونقِّ طرقها من الظلمِ، فإنه مرضها والسلام.
وكتب إِلَيْهِ بعض عماله أيضاً:
إِنَّ ناسًا من العمال قد اقتطعوا من مالِ الله مالاً عظيمًا، لستُ أقدر عَلَى إخراجه منهم، إلا أن يمسَّهم شيءٌ من العذاب؛ فإن رأى أميرُ المؤمنين أن ياذن لي في شيء من ذلك.
فكتب إِلَيْهِ عمر:
«أَمَّا بَعْدُ فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ اسْتِئْذَانُكَ إِيَّايَ فِي عَذَابِ بَشَرِ، كَأَنِّي لَكَ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- وَكَأَنَّ رِضَائِي عَنْكُمْ مُنْجِيكُمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، فانظر من قامْت عليه البينةُ فخذه بما قامت عليه، ومن أقر لك بشيءٍ فخذهُ بما أقر به، ومن أنكر فاستحلفْه بالله -تعالى- وخلِّ سبيله، فوالله لأنّ يلقوا الله بجناياتهم أَحَبّ إلي من أن ألقى الله بدمائِهم.
وبلغ عمر بن عبد العزيز أنَّ أحد أولاده اشترى فصًّا بألف درهم ليختم به، فكتب إِلَيْهِ عمر: عزيمة مني عليك يا بُني لما بعتَ الفَصَّ الَّذِي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصَّا بدرهم ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه والسلام.
وشكا مزاحم إِلَى عمر حاجةَ أهلِ عمر وقلةَ ما بأيديهم، فَقَالَ عمر: إِنَّ لي نفسًا توَّاقةً، لقد رأيتُني وأنا بالمدينة غلامٌ من الغلمان، ثم تاقت نفسي إلي العِلْم والعربية والشعرِ فأخذت منه حاجتي. ثم تاقت نفسي إِلَى السلطان فاستُعملتُ عَلَى المدينة. ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إِلَى اللبسِ والعيشِ الطيب، فما علمتُ أن أحدًا من أهل بيتي ولا غيرهم كان فيما كنتُ فيه، ثم