تاقت نفسي إِلَى الآخرة والعمل بالعدل؛ فأنا أرجو أن أنال ما تاقت إِلَيْهِ نفسي من أمرِ آخرتي، ولستُ بالذي أُهلكُ آخرتي بدُنياي.
وكان عمر يقول لجلسائه: من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدلِ ما لا أهتدي له، ويكونُ لي عَلَى الحق عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيعُ إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي لي الأمانة التي حملها مني ومن الناس؛ فَإِذَا كان كذلك فأهلاً به وإلا فهو في حَرَجٍ من صُحبتي والدخول عليَّ.
وكتب عمر إِلَى عاملِهِ عَلَى فلسطين: أن اركب إِلَى البيت الَّذِي يقال له: المكس (١) فاهدمه ثُم احمله إِلَى البحر فانسفه في اليم نسفًا.
وشكا إِلَى عمر بن عبد العزيز بعضُ عمالِهِ فكتب إِلَيْهِ: اذكر طولَ سهرِ أهل النارِ في النار مع خلودٍ إِلَى الأبد، وإياكَ أن ينصرفَ بك من عند الله فيكون آخر العهد، وانقطاع الرجاء. فلما قرأ العامل الكتاب، طوى البلاد حتى قدم عَلَى عمر، قال: ما أقدمك؟! قال: خلعت قلبي بكتابك، والله لا أعود إِلَى ولايةٍ حتى ألقى الله -عز وجل!
وكتب عمر إِلَى بعض مدن الشام كتابًا وكتب فيه:
أما بعد، فكم للترابِ في جسدِ ابن آدم من مأكلٍ، وكم للدودِ في جوفِهِ من طريق منخرقٍ، وإني أحذركم أيها الناس ونفسي العرضَ عَلَى الله عز وجل.
وكان عمر يجمع الفقهاء كل ليلة، فيتذاكرون الموت والقيامةَ، ثم يبكون كأن بين أيديهم جنازةً.
وكان عمر يومًا في بيتٍ فبكى، فبكت زوجته، فبكى أهل الدارِ لا يدري
(١) المكس: هو الجباية وهي الدارهم التي كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق. "لسان العرب" (٦/ ٢٠).