للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مني اثني عشر ألف درهم، فجعلها في بيت مال المسلمين فَقَالَ عمر اكتبوا له الساعة إِلَى عاملها حتى يردَّ عليه.

ووعظه رجل من الصالحين يومًا فَقَالَ له يا أمير المؤمنين، ما {من} أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا هو خصمٌ لك. فبكى عمر حتى تمنى ذلك الرجل أنه لم يكن قال شيئًا.

وقال عمر بن عبد العزيز يومًا لخالد بن صفوان: عظني وأوْجز. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، إِنَّ أقوامًا غرهم ستر الله تعالى عليهم، وفتنهم حسن الثناء، فلا يغلبن جهلُ غيركَ بك معرفتَكَ بنفسك. أعاذني الله وإياك أن نكون بالسترِ مغرورين، وبثناء الناس مفتونين، وعما افترض علينا متخلفين، وإلى الهوى مائلين. فبكى عمر ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتّباع الهوى.

وقال خالد بن صفوان يومًا لعمر: إِنَّ الله لم يَرضَ أن يكون أحد فوقك فلا ترض أن يكون أحدٌ (فوقي) (١)، فوالله لأخافنه خوفًا، ولأحذرنه حذرًا، ولأرجونه رجاءً، ولأحبَّنَّهُ محبةً، ولأشكرنَّه شكرًا، ولأحمدنه حمدًا، يكون ذلك كله طاقتي، ولأجتهدنَّ في العدلِ والنِّصفَةِ والزُّهْد في الدُّنْيَا لزوالها، والرغبة في بقاءِ الآخرة ودوامها حتى ألقى الله عز وجلَّ؛ فلعلي أنجو مع الناجين، وأفوز مع الفائزين. وبكى حتى غشي عليه، وقام خالد وتركه عَلَى حاله.

وقرأ عمر بن عبد العزيز يومًا هذه الآية: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (٢) فبكى عمر بكاءً شديدًا حتى سمعه أهلُ الدارِ، فجاءت زوجته، فجعلت تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ابنه عبد الملك فدخل عليهم وهم عَلَى تلك الحال فَقَالَ: يا أبه ما يبكيك؟! قال: خير يا بني، ودَّ أبوك أنه لم يعرف الدُّنْيَا


(١) كذا! ولعلها: "فوقه قال: ".
(٢) يونس: ٦١.