للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أنها للمصاحبة، فالحمد مضاف إِلَى المفعول، أي: فسبحه حامدًا له، والمعنى: اجمع بين تسبيحه -وهو تنزيهه عما لا يليق به من النقائص- وبين تحميده، وهو إثبات ما يليق به من المحامد.

والثاني: أنها للاستعانة، والحمد مضاف إِلَى الفاعل، أي سبحه بما حَمِد به نفسه؛ إذ ليس كل تسبيح بمحمود، كما أن تسبيح العتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات، كما كان بشر المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل.

وقوله: {واستغفره} أي: اطلب مغفرته، والمغفرة: هي وقاية شر الذنب لا مجرد ستره.

والفرق بين العفو والمغفرة أن العفو محو أثر الذنب، وقد يكون بعد عقوبة عليه، بخلاف المغفرة، فإنها لا تكون مع العقوبة.

وقوله: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} إشارة إِلَى أنه سبحانه يقبل توبة المستغفرين المنيبين إِلَيْهِ، فهو ترغيب في الاستغفار، وحث عَلَى التوبة. وقد فهم طائفة من الصحابة -رضي الله عنهم- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار عند مجيء نصر الله والفتح، شكرًا لله عَلَى هذه النعمة، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ثمان ركعات (١). وكذلك صلى سعد يوم فتح المدائن، وكانت تلك تسمى: صلاة الفتح.

وأما عمر وابن عباس فقالا: بل كان مجيء النَّصر والفتح علامة اقتراب أجله، وانقضاء عمره، فامر أن يختم عمله بذلك، ويتهيأ للقاء الله، والقدوم عليه عَلَى أحسن أحواله وأتمها، فإنه لمَّا جاء نصر الله والفتح بحيث صارت مكة دار إسلام، وكذلك جزيرة العرب كلها، ولم يبق بها كافر، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.


(١) أخرجه البخاري (٢٨٠)، ومسلم (٣٣٦).