للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كان النفع الحاصل بإرسال الرسل، وإنزال الكتب أمرًا لا نظير له، قرر الله تعالى الرسالة عَلَى المنكرين لها بهذه الطريقة، وهي شدة الحاجة إليها في غير موضع من القرآن كما في قوله: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} (١).

ولهذا نسب تعالى منكري إرسال الرسل وإنزال الكتب إِلَى القدح في كماله وعظمته وحكمته، وإلى الجهل به وبأسمائه وصفاته، وأنهم ما قدروه حق قدره.

والمقصود ها هنا أن جميع الرسل كان دينهم الإسلام، ولهذا ثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد" (٢) فإنهم كلهم متفقون عَلَى أصول التوحيد وتوابعه، وإنما تختلف شرائعهم في الأحكام العلمية التي يسميها كثير من الناس الفروع، وتنوع الشرائع في ذلك كتنوع الشريعة الواحدة التي فيها ناسخ ومنسوخ. كما كانت القبلة في أول الإسلام إِلَى صخرة بيت المقدس، ثم صارت إِلَى الكعبة.

والدين واحد، ثم ختم الله الشرائع والملل بالشريعة العامة الكاملة، الحنيفية المحمدية، المحتوية عَلَى جميع محاسن الشرائع، المتضمنة لجميع مصالح العباد في المعاش والمعاد، فأكمل الله بها دينه الذى ارتضاه لنفسه، وختم بها العِلْم الَّذِي أنزله من السماء عَلَى رسله، فلذلك تضمنت جميع محاسن الشرائع المتقدمة، وزادت عليها أمورًا عظيمة وأشياء كثيرة، من العلوم النافعة والأعمال الصالحة، التي خص بها هذه الأمة، وفضلهم بها عَلَى من قبلهم من الأمم.

ولذلك أوجب الله عَلَى جميع من بلغته هذه الدعوة من جميع الأمم الانقياد إليها ولم يقبل من أحد منهم دينا سواها.


(١) آل عمران: ١٧٩.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٤٣)، ومسلم (٢٣٦٥) بمعناه من حديث أبي هريرة.