للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماء إِلَى الأرض، وهو سبحانه وتعالى يمثل العِلْم والإيمان تارة بالماء كما في هذه الآية، وكما في المثل الثاني المذكور في أول سورة البقرة (١)، وتارة يمثله بالنور كما في المثل المذكور في سورة النور (٢)، والمثل الأول المذكور في سورة البقرة (٣)، وكذلك في هذه الآية التي في سورة الرعد (٤)، ذكر مثلاً ثانيًا يتعلق بالنار وهو قوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} (٥) فإن الماء والنور مادة حياة الأبدان، ولا يعيش حيوان إلا حيث هما موجودان، كما أن العِلْم والإيمان مادة حياة القلب، وهما للقلوب كالماء والنور، فَإِذَا فقدهما القلب فقد مات.

وقوله تعالى: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (٦) شبه القلوب الحاملة للعلم والإيمان بالأودية الحاملة للسيل، فقلب كبير يسع علمًا عظيمًا، كوادٍ كبير يسع ماء كثيرًا، وقلب صغير يسع علمًا قليلاً، كواد صغير يسع ماءً قليلاً، فحملت القلوب من هذا العِلْم بقدرها، كما سألت الأودية من الماء بقدرها.

فهذا تقسيم للقلوب بحسب ما تحمله من العِلْم والإيمان إِلَى متسع وضيق.

والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى تقسيم لها بحسب ما يرد عليها من العِلْم والإيمان إِلَى قابل لإنبات الكلأ والعشب، وغير قابل لذلك وجعلها ثلاثة أقسام:

قسم قبل الماء، فأنبت الكلأ والعشب الكثير، وهؤلاء هم الذين لهم قوة الحفظ والفهم والفقه في الدين، والبصر بالتأويل، واستنباط أنواع المعارف والعلوم من النصوص، وهؤلاء مثل:


(١) البقرة: ٢٢.
(٢) النور: ٣٥.
(٣) البقرة: ١٧.
(٤) الرعد: ١٦.
(٥) الرعد: ١٧.
(٦) الرعد: ١٧.