للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم ويستجيزونهم، وهذا لأنّ مقصودهم من الإسناد حفظ السلسلة والعلو، وليس المقصود من الرواية عن هؤلاء تلقي العِلْم عنهم وضبطه كما كان السَّلف، فإن هذه الكتب والأجزاء التي تسند عن هؤلاء الشيوخ معروفة محفوظة، بل منقولة بالتواتر لا يُحتاج في نقلها إِلَى ذلك الشيخ، وصار هذا كالذي يحفظ القرآن، ويقرأه عَلَى شيخ عالي الإسناد، فإنه يستفيد بذلك علو الإسناد فقط، وإلا فنقل القرآن والقراءات كلاهما متواتر، لا يحتاج فيه إِلَى هذا الشيخ، فكذلك الحديث إِنَّمَا يعمد فيه عَلَى ما يعرفه الحفاظ، وما {يحققونه} (*) من الكتب المعتمد عليها، والخطوط الموثوق بها.

وتكون الرواية عن هؤلاء الشيوخ لأجل علو الإسناد، واتصال سلسلته؛ فإن الإسناد من خصائص هذه الأمة، مع أن في السماع فوائد جمة من نشر السنة النبوية وإظفارها، وبعث الهمم عَلَى الاشتغال بها دراية ورواية، وغير ذلك من المصالح.

فصل: وكان المقصود من ذكر هذه المقدمة، أنه وقع السؤال عن جماعة من شيوخ الرواية الذين أدركناهم بالسماع والإجازة بالشام ومصر، وعن شيء من (رواياتهم) (**) العالية، وكان السائل قدره أعلى من أن يسلك به المسلك المعتاد من الاقتصار عَلَى ذكر الإسناد، فإن ذلك يقع كثيرًا لمن يقنع بظواهر الرسوم دون حقائق الإيمان والعلوم، فذكرنا قبل ذلك هذه المقدمة لتكون الأشياء مبنية عَلَى أصولها، ويبين بذلك مقصود الرواية، وأنها وسيلة إِلَى الدراية والرعاية.

وقد قال الحسن البصري رضي الله عنه: همة السفهاء الرواية، وهمة الحكماء الرعاية.

والرعاية هي: القيام بحقوق الرواية من العمل والتعليم، فهي ثمرة الدراية.


(*) غير واضحة بالأصل وتشبه أن تكون ما أثبتناها، وفي نسخة: "وما يحتفون به".
(**) رواتهم: "نسخة".