وبسبب هذا قال من قال: إِن الرواية من الكتاب كالمنقطعة؛ لأنها مأخوذة عن مجهول، وتارة يعلل بالطعن في صحة تحمل الرواية والشهادة لانتفاء السماع، والذين يجيزون ذلك يحتجون بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى الملوك وغيرهم، وبعمل خلفائه من بعده بالمكاتبات ونحو ذلك مما ليس هذا موضع بسطه.
وهذه المناولة التي ذكرناها هي أن يناوله شيئًا معينًا من رواياته قد عرفه، ويخبره أنه من رواياته، ويأذن له في روايته عنه، أو يكتب إِلَيْهِ بخطه الإذن في رواية شيء معين من رواياته.
فأما الإجازة المطلقة، وهو أن يقول: أجزت لك جميع ما يصح عندك من مروياتي، أو يكتب إِلَيْهِ بذلك، فهذا فيه نزاع بين من يرى صحة المناولة المعينة، والذي نقله أبو بكر الخطيب وغيره عن أهل المدينة العمل به، وقد أنكره جماعة ممن يرى صحة المناولة المعينة، كأحمد بن صالح المصري، ولذلك نقل حنبل عن الإمام أحمد ما يدل عَلَى كراهته، وممن أنكر ذلك البرقاني وأبو بكر الرازي، وطائفة من الفقهاء والمحدثين، وأكثر أصحاب الشافعي وأحمد عَلَى جوار ذلك، وتوسعوا في ذلك حتى جوزوا الإجازة المطلقة لكل أحد، وهي التي تسمى الإجازة العامة، وجوزوا الإجازة للمعدوم.
وهذا كما توسع المتأخرون في السماع، فإن المتقدمين كانوا لا يسمعون إلا من أهل المعرفة والحفظ، حتى تنازعوا في صحة الرواية عمن يحدث من كتابه، ولا يحفظ حديثه، فمنعه مالك ويحيى بن معين وغيرهما، ورخص فيه آخرون إذا كانت كتبه محفوظة، وأهل المغرب إِلَى الآن يشددون في ذلك، وبسبب ذلك صارت أسانيدهم نازلة.
وأما أكثر المتأخرين، فإنهم يسمعون عَلَى الشيوخ الذين لا يعرفون ما يقرأ