بها كما نُقِلَ ذلك عن الأوزاعي وغيره، وأيضًا فالحكم يعمل بالخط إِن يعرفه والشاهد في حال التحمل لم يعرف ما تحمله البتة، ولا سمعه من لفظه، ولا قرأه من خطه، فكيف يصح تحمله لما لم يعلمه بحال.
نعم، يجوز له أن يشهد أن هذا كتابه الَّذِي تبه وختمه، أو يشهد عَلَى الخط إذا فتحه وعرفه، ولعل مراد كثير ممن قال بقبول الختاب المختوم المشهود عليه وأن يقرأ عَلَى الشهود أن الشاهد يشهد أن هذا كتاب فلان، فيفيد ذلك أنه كتابه، ويكون العمل بالخط، وتخريج هذا عن أحمد في كتاب القاضي ونحوه، من نصوصه المستفيضة في العمل بالخطوط أولى من تخريج صحة الشهادة بما تضمنه الكتاب المختوم.
لكن يقال: تخرج صحة الشهادة عَلَى الكتاب المختوم من صحة الرواية بالمناولة، إِن ناوله كتابًا لا يعلم الطالب ما فيه، وأذن له في روايته، فإنه يجوز له أن يقول إذا قرأه: أجزت فلانًا بكذا كما تقدم، ولكن كثيرًا من العُلَمَاء يجعل باب الرواية أسهل من باب الشهادة، ويرى التوسع في الرواية بما لا يتسع بمثله في الشهادة، ولأجل هذا فرق أهل القول الثالث في أصل المسألة بين بابي الرواية والشهادة، فجوزوا الرواية بالعرض والمناولة، دون الحكم بالكتاب المختوم والشهادة به، وهذا قول الشافعي وغيره، وهو المشهور عند المتأخرين من أصحاب أحمد.
وفرقوا بينهما بأن الرواية مبناها عَلَى المسامحة، فإنه لا يشترط لها العدالة في الباطن، ويقبل فيها قول النساء والعبيد، وحديث العنعنة ونحو ذلك بخلاف الشهادة في كلام أحمد إيماء إِلَى فرق آخر وهو أن الشهادة قد يخفى تغيرها وزيادتها ونقصها، بخلاف الحديث، فإنه قد ضبط وحفظ، فلا يكاد يخفى تغيره، وهذا لأنّ الطعن في رواية ما في الكتاب والشهادة، تارة يعلل بعدم الوثوق بالكتاب لاحتمال تزويره، والزيادة فيه والنقص منه.