قال: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العِلْم عَلَى أن زوجة الأسير لا تنكج، حتى يعلم بتعين وفاته، ما دام عَلَى الإسلام. هذا قول النخعي، والزهري، ومكحول، ويحيى الأنصاري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي.
وتابعه عَلَى هذا النقل صاحب "المغني" وليس الأمر كما ذكره، وقد صح عن الزهري خلاف ما حكاه عنه.
قال الجوزجاني: حدثنا أبو صالح أن الليث حدثه ثني يونس، عن ابن شهاب قال:"الأسير قد علم بحياته، لا تزوج امرأته ما علم بحياته، ولا يقسم ماله؛ فَإِذَا انقطع خبره كانت سنته سنة المفقود، وقال في رجل انطلق في معشر من أنصار المسلمين لحاجة أو تجارة؛ فغاب أربع سنين لم يأت عنه خبر ولا كتاب ولا نفقة، قال: "هو بمنزلة المفقود" وهذا إسناد صحيح.
قال الجوزجاني: وثنا صفوان، ثنا عمر -هو ابن عبد الواحد- عن الأوزاعي قال: قلت للزهري، في العبد تكون تحته الحرة فأسر؟ قال: إِن علم أنه حي فلا سبيل لها إِلَى التزويج، وإن لم يعلم مكانه فأجلها مثل أجلها تحت الحر، قلت: فإن أبق؟ قال: هي مثل الَّذِي قبلها" وهذا الإسناد صحيح أيضاً.
وكذلك حكى كثير من الفرضيين عن أكثر العُلَمَاء أن الأسير إذا انقطع خبره كان حكمه حكم المفقود، وصرح أصحابنا أيضاً بهذا القول في كتبهم، وأن الأسير المنقطع خبره حكمه حكم المفقود، منهم القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم، حتى قال أبو محمد الحلواني في "تبصرته": تتربص زوجته أربع سنين ثم تعتد وتتزوج. وهذا تصريح بأن حكمه حكم المفقود الَّذِي غالب أمره الهلاك، وكذلك نقله الخبرين صريحًا عن أحمد، لا سيما إِن كان مأسورًا عند قوم يعرفون بقتل الأسارى، وعلم أنهم قتلوا بعض الأسارى، ولم يدر هل هو ممن قتل أم لا؛ فإن هذا يصير حكمه حكم المفقود في المعركة.