فقد يقال: فقد أخرجتم منفعة بعضها عن ملكه بتزويجها؛ لأنا نقول: ملك بضع الأمة للسيد ليس هو كملك الزوج لبضع زوجته؛ لأنّ بضع الزوجة يملكه الزوج للاستمتاع به بنفسه خاصة، فلا يجوز لغيره مشاركته فيه إلا بعد انقطاع علق الزوج عنه، وأما بضع الأمة فمملوك للسيد لا عَلَى طريق الانتفاع به بنفسه خاصة، بل ينتفع به بنفسه وتارة يعارض عليه، ولهذا يجوز له أن يتملك من يحرم عليه وطؤها عَلَى التأبيد.
فظهر بهذا أن ملك الإماء ليس موضوعًا للاستمتاع بخلاف النكاح، وقد قرر أصحابنا هذا الفرق في مواضع متعددة من كتب الفقه.
وحينئذ فنقول: لا يجوز إلحاق الأمة ببضع الزوجة في هذا الموضع، ويدل عليه أن الأمة لو طلبت من السيد تزويجها، عند امتناعه من الوطء، وتعذر عليه شرعًا أو حسّا أجبر عَلَى تزويجها بخلاف الزوجة.
فظهر من هذا أن وجوب تزويج الأمة إِنَّمَا هو من باب إزالة ضررها لا غير، مع بقاء ملكها وملك بضعها عليه، وهذا أوسع من فسخ نكاح الحرة، فيجوز تزويج الأمة في حال لا يجوز تزويج الزوجة فيه، فإن الأمة لا يجوز منعها من نكاح عند طلبه، كما لا يجوز منعها من النفقة والكسوة عند الحاجة.
وأما الزوجة فإنها -وإن كان يجب لها عَلَى الزوج حق الوطء- لكن لا يمكنها استيفاءه بالأمة خاصة، فَإِذَا لم يجز فسخ نكاحه فقد تعذر استيفاء هذا الحق منه، بخلاف الأمة؛ فإنه يجب إزالة ضررها بالنكاح مع حضور السيد، ويمكنه منه إذا تعذر حصول الوطء منه، ولا يعتبر امتناعه من ذلك كما لو كان السيد صبيًّا أو مجنونًا كما صرح به القاضي فيما تقدم، والله أعلم.
ومما يبين ما بين الأمة والزوجة في هذا أن الزوجة لا تملك فسخ نكاح زوجها بطول مرضه وامتناعه من الوطء، فكذلك لا تملكه بغيبته، بخلاف الأمة؛ فإنها تطالب السيد بالتزويج عند تعذر استمتاعه بها لمرض وغيره، فكذا تطالب به مع غيبته، والله أعلم.