للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقتضت حكمةُ الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه: بأن نصب للناس أئمة مجتمعًا عَلَى علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العِلْم بالأحكام والفتوى، من أهل الرأي والحديث.

فصار الناس كلُّهم يعولون في الفتاوى عليهم، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم.

وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم، حتى ضُبط مذهبُ كل إمام منهم وأصوله، وقواعدُه وفصوله، حتى تُرد إِلَى ذلك الأحكام ويُضبط الكلامُ في مسائل الحلال والحرام.

وكان ذلك من لُطف الله بعباده المؤمنين، ومن جُملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين.

ولولا ذلك: لرأي النَّاسُ العجبَ العُجاب، من كلِّ أحمق متكلِّف مُعجبٍ برأيه، جريء عَلَى الناس وثَّاب.

فيدَّعى هذا أنَّه إمامُ الأئمة، ويدَّعي هذا أنَّه هادي الأمة، وأنَّه هو الَّذِي ينبغي الرجوعُ دون الناس إِلَيْهِ، والتعويل دون الخلق عليه.

ولكن بحمد الله ومنته انسدَّ هذا الباب الَّذِي خطرُه عظيم وأمره جسيم، وانحسمت هذه المفاسدُ العظيمة وكان ذلك من لُطف الله تعالى لعباده وجميل عوائده وعواطفه (الحميمة) (*).

ومع هذا فلم يزل يظهر من يدَّعى بلوغَ درجة الاجتهاد، ويتكلّم في العِلْم من غير (تقليدٍ لأحد) (**) من هؤلاء الأئمة ولا انقياد.

فمنهم من يسوغ له ذلك؛ لظهور صدقه فيما ادّعاه، ومنهم من ردَّ عليه قوله وكُذِّب في دعواه.

وأمَّا سائرُ الناس ممن لم يصل إِلَى هذه الدرجة فلا يسعهُ إلا تقليدُ أولئك الأئمة، والدخول فيما دخل فيه سائرُ الأمة.


(*) الرحيمة " " نسخة".
(**) تقيد بأحد: "نسخة".