للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال أحمق متكلف: كيف يُحصر الناسُ في أقوال علماء (متعينين) (*) ويُمنع من الاجتهاد، أو من تقليد غير أولئك من أئمة الدين.

قِيلَ لَهُ: كما جمع الصحابةُ -رضي الله عنهم- الناسَ عَلَى حرفٍ واحد من حُروف القرآن، ومنعوا الناس من القراءة بغيره في سائر البُلدان؛ لما رأوا أنَّ المصلحةَ لا تتم إلا بذلك، وأنَّ الناس إذا تُركوا يقرءون عَلَى حروفٍ شتَّى وقعوا في أعظم المهالك.

فكذلك مسائلُ الأحكام وفتاوى الحلالِ والحرام، لو لم تُضبط الناسُ فيها بأقوال أئمة معدودين؛ لأدَّى ذلك إِلَى فساد الدين، وأن يُعد كلُّ أحمق متكلف طلبت الرياسة نفسُه من (زمرة) (**) المجتهدين، وأن يبتدع مقالةٌ ينسبها إلي بعض من سلف من المتقدمين؛ فربما كان بتحريف يُحرِّفه عليهم، كما وقع ذلك كثيرًا من بعض الظاهريين، وربما كانت تلك المقالة زلةٌ من بعض من سلف قد اجتمع عَلَى تركها جماعةٌ من المسلمين.

فلا تقتضي المصلحةُ غير ما قدَّره الله وقضاه من جمع الناس عَلَى مذاهب هؤلاء الأئمة المشهورين رضي الله عنهم أجمعين.

فإن قيل: الفرقُ بين جمع الناس عَلَى حرفٍ واحد من الحروف السبعة من أحرف القرآن وبين جمعهم عَلَى أقوال فقهاء أربعة، أنَّ تلك الحروف السبعة (كانت) (١) يُقال: معناها واحد أو متقارب، والمعنى حاص بهذا الحرف.

وهذا بخلاف قول الفقهاء الأربعة؛ فإنه يجوز أن يتفقوا عَلَى شيء ويكون الحق خارجًا عنهم.

قيل: هذا قد منعه طائفةٌ من العُلَمَاء وقالوا: إِنَّ الله لم يكن ليجمع هذه الأمة عَلَى ضلالة.

وفي ذلك أحاديثٌ تعضُد ذلك.


(*) معينين: "نسخة".
(**) جملة: "نسخة".
(١) كذا!!.