للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدعي إطلاعًا كثيرًا عَلَى السنة، ومعرفة صحيحهما من سقيمها، ومعرفة مذاهب الصحابة والتابعن، والآثار المنقولة عنهم في ذلك.

ولهذا كان الإمام أحمد يُشدد أمر الفُتيا، ويمنع منها من يحفظ مائة ألف حديث ومائتي ألف حديث وأكثر من ذلك.

وعلامةُ صحة دعواه: أن يستقلّ بالكلام في المسائل كما استقل غيرُه من الأئمة، ولا يكون كلامُه مأخوذًا من كلام غيره.

فأمَّا من اعتمد عَلَى مجرَّد نقل كلام غيره، إمَّا حكمًا، أو حكمًا ودليلاً: كان غاية جهده أن يفهمه، وربما لم يفهمه جيدًا أو حرّفه وغيره، فما أبعد هذا عن درجة الاجتهاد! كما قيل:

فدع عنك الكتابةَ لست منها ... ولو سوَّدت وجهك بالمداد

فإن قيل: فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم، وقول الإمام أحمد: لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان، وتعلم كما تعلمنا. وهذا كثيرٌ موجود في كلامهم.

قيل: لا ريب أنَّ الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء، والاشتغال بها حفظًا وكتابة، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظًا وفهمًا، وكتابة ودراسة، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام من بعدهم، ومعرفة صحة ذلك من سقمه، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه.

ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمامُ به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره.

فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته كما أشار إِلَيْهِ الإمام أحمد، فقد صار علمُه قريبًا من علم أحمد.

فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه، إنَّما الكلام في منع من لم يبلغ